٤
أدلّة القول بالتحسين والتقبيح العقليّين
أقام القائلون بالتحسين والتقبيح العقليّين أدلّة ساطعة على أنّ العقل يدرك حسن الأفعال وقبحها ولا يقتصر على مجرّد الإدراك ، بل يبعث إلى الأوّل ويمدح فاعله ، ويزجر عن الثاني ويذم فاعله ، والرسالة الحاضرة لا تتحمل البسط بنقل عامة الدلائل ونكتفي من الكثير بالقليل.
الأوّل : بداهة العقل
كلّ إنسان يجد في نفسه حسن العدل وقبح الظلم ، وإذا عَرَضَ الموضوعين على وجدانه ، يجد في نفسه نزوعاً إلى العدل واستحساناً له ، وتنفراً عن الظلم وتقبيحاً له ، وهكذا سائر الأفعال التي تعد من مشتقات العدل والظلم.
ولقائل أن يقول : إنّ الحكم بالتحسين والتقبيح ليس ناتجاً من صميم العقل وإنّما هو وليد التعاليم الدينية الراسخة التي يعتمد عليها المصلحون في دعوتهم فصار ذلك سبباً لرسوخ تلك الفكرة في أذهان الناس.
لكن وقفة قصيرة أمام هذا السؤال تُبطل هذا الاحتمال ، إذ لو كانت الفكرة ناتجة من دعوة المصلحين لاختصت الفكرة بهم وبمن وقع في إطار دعوتهم ، ولكنّا نجد الفكرة أوسع من ذلك فقد غطَّت كافةَ الأُمم وطوائف البشر حتّى الّذين لا