لما كان الأستاذ الشيخ إبراهيم بمصر صادفه أنه بقي يومين لم يذق طعاما لضيق ما في يده ، فخرج من الأزهر وشرع يطوف في شوارع مصر لعل الله يرسل له من يدعوه إلى طعام يسد به رمقه ، فدخل بعض الدروب فرأى دارا لها باب كبير ، وهو ينادي على صاحبه بلسان حاله : إن صاحب هذه الدار ذو نعمة شاملة وثروة طائلة ، فدخل الدار وهي ذات طابقين ، فلم يجد في الطابق التحتاني أحدا ، فدخل المطبخ فرأى هناك خزانة فيها ألوان من الطعام الفاخر ، فكان عامل الجوع يدفعه إلى التناول منه ونفسه الشريفة تأبى أن تتناول طعاما ليس ملكا له ولم يدع إليه ، وبقي على ذلك نحو ساعة وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وفي آخر الأمر أغلق الخزانة وخرج ولم يذق من الطعام شيئا ، وخرج من الدار قاصدا الأزهر.
أما صاحب الدار فكان قاعدا في بيت في الطابق العلوي ، وكان ينظر إليه من النافذة من حين دخوله إلى حين خروجه ، ولما أبصر منه ما أبصر فأخذه العجب وعلم أنه لم يدخل ولم يبق هذه المدة في المطبخ إلا لأمر عظيم ، وأحب الاستطلاع على كنه هذا الأمر ، فاستدعى خادمه وأمره بمناداة الشيخ إليه ، ولما حضر سأله عن أمره ، فلم يخف عليه شيئا منه ، فعظم الشيخ في عينه كثيرا خصوصا بعد ما علم أنه من طلاب الأزهر النابغين ، فاستدعى للحال شيخ الأزهر ودعا بعض أصدقائه وعقد نكاح بنته على الشيخ إبراهيم ، فبقيت معه مدة طويلة ، ولما حضر إلى حلب أحضرها معه وهي أم أولاده الذين ذكرهم الشيخ أبو الوفا الرفاعي في مجموعته.
هذا ما بقي في فكري من هذه الحكاية ، لأن بين سماعي لها من الشيخين المذكورين وبين تحريري لها هنا نحو عشرين سنة.
وترجمه تلميذه ومريده الشيخ عمر الطرابيشي في مجموعة له بخطه فقال :
هو الشيخ الإمام العلامة البحر الفهامة ، المحقق المدقق ، شيخ الإسلام والمسلمين في عصره ، وشيخ الفرقة الناجية في زمانه ، الجامع بين الشريعة والحقيقة ، والقامع لمن حاد عن جادة الطريقة ، الحائز قصبات السبق في تحقيق العلوم الشرعية ، وتدقيق الفنون العقلية والنقلية ، الفقيه المحدث المفسر الأثري النحوي الأصولي الصوفي النظار القانت الخاشع الأواه ، ولي الله بلا نزاع ، العارف بالله الداعي إلى الله الدار عزاني مولدا ، الأزهري قطنا ،