الحلبي قطنا ومدفنا ، الإبراهيمي المنير والكوكب المضيء للسائرين ، الشافعي مذهبا ، القادري والخلوتي طريقة ، الرفاعي البدوي مشربا.
أخذ الطريق عن خاله صاحب الأحوال العلية والأنفاس الزكية ، صاحب المجاهدات والتقشف والرياضات ، سيدي الشيخ أبي بكر الهلالي ، فسلك على يديه ورباه أحسن تربية إلى أن ترعرع ، وقرأ جملة من الفقه والنحو وعلوم العربية ، ثم أذن له في الرحيل إلى مصر للمجاورة ، فجاور بالأزهر وتفقه على جملة من المشايخ العظام أهل تحقيق وتوفيق ، ولازم صحبة سيدي سليمان الجمل ، كان فقيها أنور ، وعمدة الفقهاء الشافعية في الأزهر ، له المؤلفات الحافلة ، منها حاشية على الجلالين ، وحاشية على المنهج ، وشرح الدلايل ، وشرح بانت سعاد وغير ذلك.
ثم أخبر أن خاله مات سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ، فألهمه الغفور الودود بأن يأخذ العهد من سيدي الشيخ محمود الملقب بالكردي ، فسلك على يديه المقامات ، ولقنه الذكر بحسب قابليته ، وألبسه التاج وأذن له بالتسليك وإقامة الذكر والتكلم على الناس. وتسلم مجلس شيخه في حال حياة شيخه بالإذن الإلهي. ثم حصل الإذن بأن يرجع إلى حلب ويرشد الناس بها ، فرجع إلى حلب بعد إقامته في الأزهر إحدى وعشرين سنة في الجد والاجتهاد في العلم والطريق ، فعكفت عليه الناس من الآفاق ، يأتون من كل فج على قدم وساق ، لأخذ العلم والطريق ، وتحقيق المسائل والتدقيق.
ثم مرض ابن خاله الشيخ أحمد بن الشيخ أبي بكر ، فبعث وراء صاحب الترجمة وقال له : قد أذن لك بالجلوس على السجادة في طريقة القادرية في زاويتي ، فقال له الشيخ : إن شاء الله أنت تقوم من مرضك وترشد إخوانك ، فقال له : لا بل أنت قم وتسلم كما حصل الإذن ، فتسلم وسلك المريدين من أقرب طريق ، وأرشدهم إلى مقام التحقيق ، فتمت نفحاته ، وكثرت فتوحاته ، وصار متكلما على الناس بإرشادات القوم ، وصارت له الخلفاء المرشدون إلى دين الله القويم المتين.
وكان متبحرا في علمي الحقيقة والشريعة ، وكان جبلا لا تزحزحه الأهوال ، ولا تهزه نعماء الرجال ، ولا تظهر منه رائحة دعوى قط ، بل إذا أراد أن يستشهد لشيء يقول : كان خالي يفعل كذا أو يقول كذا ، أو كان شيخي الشيخ محمود الكردي يقول كذا أو