ولد رحمهالله سنة ١٢٣٥ في مدينة غزة من أسرة نشأ منها عدة علماء وفضلاء ، وبعد أن ترعرع تعلم القراءة والكتابة وأخذ مبادىء العلوم من علماء بلدته ، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره سافر إلى مصر ودخل جامع الأزهر وأكب على تحصيل العلوم والفنون وأحرز منها النصيب الأوفر في مدة وجيزة ، ثم عاد إلى بلدته فأقبل عليه أهلها ، فحسده بعض الناس لذلك ونصبوا له المكايد. ولما تنكد عيشه فيها غادرها إلى جزيرة أرواد ، ثم توجه منها إلى طرابلس الشام في أواخر سنة ستين ومائتين وألف وأخذ في نشر العلم فيها. وفي ذلك الأثناء مر بطرابلس وليّ الله الشيخ محمد المغربي الشهير متوجها إلى حلب ، فاتصل به المترجم وحظي عنده وأخذ عنه الطريقة النقشبندية ، فحسّن له الشيخ محمد المغربي أن يتوجه معه إلى حلب وبشره بأنه ينال فيها إقبالا زائدا ويبنى له مدرسة ، فتوجه معه إليها ودخلها سنة ١٢٦٤ ونزل مع أستاذه في جامع بانقوسا واختلى معه بالخلوة النقشبندية وأخفى ما لديه من العلم. وصادف في ذلك الحين أن الحاج وفا ابن الحاج أحمد الموقت أحد أعيان الشهباء وشيخ تجارها قد حج تلك السنة ، وفي عودته مر على مصر بنية إحضار أحد متفوقي علمائها إلى حلب ، وذلك لقلة العلماء وقتئذ بحلب ، وذلك للطاعون الذي حصل قبل سنتين وللفتنة الإبراهيمية التي دامت نحو ٨ سنين ، ولما ذاكر بعض العلماء في هذا الشان قيل له إن في طرابلس رجلا من أكابر العلماء وأفاضلهم يقال له الشيخ حسين الغزي ، وهو إذا رضي بالذهاب إلى حلب تكون قد حصلت على بغيتك. فتوجه الحاج وفا إلى طرابلس ، ولما وصلها وسئل عنه قيل له إنه قد سبقك إلى حلب منذ أيام قلائل ، فسر لذلك وتوجه إلى وطنه حلب ، ولما وصلها اجتمع بحضرة الأستاذ الشيخ محمد المغربي وعرّفه غرضه وطلب منه أن يكلف الشيخ حسين بنشر ما لديه من العلم ، فامتثل المترجم الأمر واختار له الحاج وفا مسجدا قريبا من سوق القصيلة وهو مسجد أشقتمر المعروف الآن بجامع السكاكيني ، فصار يقرىء الطلبة فيه ، وشاع عند ذلك فضله وأقبل عليه الطلبة من جميع أنحاء البلدة ، وكان الناس في ذلك الوقت في شوق زائد إلى طلب العلم بسبب القرعة العسكرية ومسامحة الدولة طلبة العلوم من التجنيد ، وهي أول قرعة كانت في أيام الدولة العثمانية في مدينة حلب وبلاد العرب ، وقد كثر اجتماع الطلبة لهذا السبب ، ولما كان عليه من الجد والنشاط وفصاحة اللسان وغزارة المادة وقوة التعبير عن مراده ، وبلغ عدد الدروس التي كان يقرؤها في هذا المسجد كل يوم تسعة دروس في فنون مختلفة.