في شرح الأرجوزة وكشف غوامضها وتبيانه للحقائق ووصفها كما هي ، وأتمنى أن يكون لنا أمثاله نبغاء في زماننا الذي قضى علينا بإهمال مخلدات آبائنا وفيها من الكنوز ما لا يستهان به.
١٠ ربيع الأول سنة ١٣٣٩ الطبيب عبد الرحمن الكيالي. ا ه.
إن العصر الذي نشأ فيه المترجم لم يكن آهلا برجال الطب حتى ينبغ فيما بينهم ، كما أنه لم تكن علماء الدين متوفرة حتى يتخرج على يديهم ، فما هو السبب في تقدمه بفن الطب وتفوقه بعلوم الدين. إن السبب يرجع إلى تلك المواهب التي كان يحملها وذلك العقل الفوار والذكاء النادر. تمكن بعقله وقوة إرادته وذكائه إلى أن يتعلم ويتلقى فن الطب عن شيخه ، فلما رحل لم يقف عند حد ما تعلمه بل سافر إلى إدلب وأتم ما نقصه من علوم الشريعة على أبناء عمه.
لم يكن في عصر الأستاذ الطيار عناية بفن الطب في هذه البلاد ، فاشتغاله فيه وتفوقه كما شهد له الطبيب السيد عبد الرحمن برهان واضح على علو همته وكبر نفسه. إن إنسانا يعيش يتيما ويتربى على يدي عمته في مثل سرمين في عصر انصرفت النفوس فيه عن تحصيل العلم الضروري فضلا عن مثل فن الطب ، ثم يتقدم في مضمار الحياة ويكون له منزلة كبيرة أينما توجه وحيثما سار وفي أي محل نزل لهو رجل طلاع إلى منازل العلياء والشرف ، نزاع إلى المجد الأثيل ، وهكذا كان الأستاذ الطيار فإنه لم يعرف الطب فيقف على حقائقه ، والأقرباذين فينتهي عندها ، بل كان له لسان فصيح وأسلوب في مخاطباته قلما يجاريه في عصره أحد.
وكان الأستاذ الشيخ يوسف الجمالي تنازل للأستاذ الطيار عن تدريسه بالجامع الكبير الأموي ، كما فرغ له مشيخة المدرسة القرموطية رغبة منه أن يكثر نفع الطلبة من علومه وفضله ، ومن ثمة باشر بإحياء النفوس بما يلقي عليها من علوم الدين في الجامع الكبير والمدرسة القرموطية ، ومداواة الأجسام من أمراضها حينما يرجع إلى منزله.
واستمر رحمهالله يشتغل بعلم الأديان وعلم الأبدان إلى أن دعاه إلى جواره فلبى نداءه في سنة ١٢٧٨ هجرية ودفن بمقبرة العبّارة.