إلى الحدقة اليسرى والنابت يسارا إلى الحدقة اليمنى. وهذان الفردان فيهما قوة الباصرة سارية في تجويفهما وتغشاهما الأم الجافية والرقيقة ، فإذا برزت العصبة في نقرة العين فارقتها الأم الجافية وتشظت إلى شظايا دقيقة وانتسج البعض بالبعض وصار منها طبقة تسمى الطبقة المشيمية ، ثم نفس العصبية يحصل منها ما حصل من تينك ويصير منها طبقة تسمى الشبكية ... إلخ.
ثانيا : اختصاص كل نابغة في فروع من العلوم وتبحره فيه ، وهذا يدل على درجة الرقي العلمي الذي وصلت إليه العرب في أيام تمدنهم ويكشف عن سعة استعدادهم الذهني.
ثالثا : سيرهم الفني في تتبعاتهم واستقرائهم ، فلقد عللوا كل حادثة بعلة علمية ، وسعوا لتخليص الحقائق من قيود الأوهام.
قال الشارح المرحوم الشيخ محمد الطيار الكيالي نقلا عن الرئيس ابن سينا : «لا ينبغي أن يوثق بطريق الاستدلال من أحوال البول إلا بعد مراعاة شرائط ، فيجب أن يكون أول بول أصبح عليه ولم يرافع به إلى زمن طويل ويبيت من الليل عليه ولم يكن صاحبه شرب ماء ولا أكل طعاما ، ولم يكن تناول صابغا من مأكول أو مشروب كالزعفران والخيار شنبر ، فإنهما يصبغان إلى الصفرة والحمرة ، وكالبقول فإنها تصبغ إلى الخضرة ، والمري فإنه يصبغ إلى السواد ، والشراب المسكر يغير البول إلى لونه ، ولا لاقت بشرته صابغا كالحناء ، فإن المختضب بها ربما انصبغ بوله عنه ولا يكون تناول ما يدر خلطا ولم يكن تعاطى من الحركات والأعمال والأحوال الخارجية عن المجرى الطبيعي ما يعين الماء لونا مثل الصوم والسهر والتعب والجوع والغضب ، فإن هذه كلها تصبغ الماء إلى الصفرة والحمرة ، والجماع فإنه يدسم البول تدسيما شديدا ، ومثله القيء والاستفراغ فإنهما يبدلان الواجب عن لون الماء وقوامه ، وكذلك إتيان ساعات عليه ، ولذلك قيل يجب أن لا ينظر في البول بعد ست ساعات لأن دلائله تضعف ولونه يتغير وثقله يذوب ويتغير أو يكشف ... إلخ». مما يدل على أن الأوائل لم يقصروا في تدقيق الحوادث وكشف الحقائق وأن الفكر الفني كان نبراسهم مع ضعف وسائلهم التي نجدها اليوم في معاملنا ومصانعنا. ولقد كان الطبيب في زمنهم نافذ النظر يستند على ذكائه وبصيرته وتجاربه أكثر مما هو عليه الطبيب في زمننا الحاضر ، ولهذا أقدر الطبيب الأستاذ سعيه ومقدرته العلمية