اطلعت على كتاب «شرح منظومة الشيخ حسن العطار في التشريح» تأليف الأستاذ السيد محمد الطيار الكيالي فوجدت أن الكتاب قد ألف قبل (٦٣) سنة أي سنة ١٢٧٧ هجرية ، وهو آخر كتاب عربي كتب في علم الطب القديم ، وأن الناظم جمع في أرجوزته معظم علم التشريح ، وزاد عليها فوائد علمية كثيرة تتعلق بمعرفة النبض ودلائله المرضية ، وفي وظائف الأعضاء والأجهزة الدموية ، وفي الروح وماهيتها ، ولكن بصورة مختصرة وغامضة لا يفهمها العارف بفنون الطب إلا بصعوبة.
وأما الشيخ رحمهالله فقد شرح الغامض ، وفصل الموجز ، وأضاف إلى الفوائد حقائق علمية نافعة ، وذيل المنظومة برسالة في مفردات الطب مع بيان خواصها ومنافعها الأقرباذينية ، فجاء الكتاب مفيدا في محتوياته ، وسهلا في عباراته ، وجامعا في طياته خلاصة ما كتبه الأوائل في علمي التشريح والأقرباذين.
وقد استرعت نظري ثلاثة أمور هي جديرة بالتقدير.
أولا : إصابة النظر مع حسن الوصف وصحة التتبعات التشريحية التي تنطبق تماما على ما قرره الفن الحاضر ، مثال ذلك أن الناظم ذكر أزواج الأعصاب الدماغية مختصرا والشارح أبان ما نظم مفصلا فقال :
إن الأعصاب قسمان : الأول ينبت من الدماغ ، والثاني من النخاع ، وصار الحال كذلك لأن الأعضاء على نوعين : منها ما هي بعيدة عن الدماغ ، ومنها ما هي قريبة منه ، وكل منها إما باطن أو ظاهر ، فما كان قريبا أو باطنا فالأعصاب الدماغية منبثة فيه ، وما كان بعيدا أو ظاهرا فالأعصاب النخاعية منبثة فيه. واعلم أن الدماغ مقسوم في طوله بنصفين وفي عرضه بثلاثة أقسام تسمى بطونا ، والمقدم منها ألين من الأوسط ، وهو ألين من المؤخر ، ويتصغر متدرجا إلى النخاع ، وينبت من المقدم مما يلي الجبهة زائدتان من كل نصف زائدة شبيهتان بحملتي الثدي بهما يكون الإحساس بالروايح ، وفي وسط الدماغ فيما بين المؤخر والمقدم منفذ يسمى (الدروة) جوهرة قريب الغشاء. واعلم أن الأعصاب الدماغية ثمانية أزواج (في كتب الطب الحديثة هي اثنا عشر) الأول ينبت من نصفي الدماغ عند جوار الزائدتين الشبيهتين بحلمتي الثدي ، فيكون في كل نصف فرد ، ثم يتيامن النابت منها يسارا ويتياسر النابت منهما يمينا ، ثم يلتقيان على تقاطع صلبيين ، ثم ينفذ النابت يمينا