أعمال حلب ، وكأن الله تعالى أرسله لهداية أهل هذه القرية الذين كانت حالتهم أشبه بحالة الجاهلية من القتل والسلب المشروعين في اعتقادهم ، فأقام الشيخ بينهم آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر متحملا منهم أنواع الأذى ، وثابر على ذلك إلى أن أثمر نباته وتحققت أمنيته ، فإن الضلال لم يلبث أن انعكس إلى هدى ، وأضحى سكان الشغر قدوة حسنة لغيرهم.
وبعد حضوره أنشأ في قرية الشغر زاوية وأخذ في نشر العلوم الشرعية موجبا على نفسه قراءة ثلاثة دروس في كل يوم ، فاشتهر علمه وفضله وصلاحه وتقواه بين الخاص والعام ، وذاع صيته في الأقطار ، وصارت تضرب إليه أكباد الأبل من كثير من البلاد ، سيما بعد أن ظهرت على يده كرامات باهرة ، وأصبحت زاويته محط الرحال للمستفتي والمستشفي والممتحن والمستجير والمجاور. وكان المستفتي لا يتكلف السؤال ، بل كان يجلس في حلقة الدرس العام فيسمع جواب مسألته ، وهكذا الممتحن والمستجير وغيرهم. ويطول تعداد مناقبه وكراماته التي يحفظها الكثيرون من معاصريه.
ومن الذين قصدوه ممتحنين له عالم ريحا الشيخ محمد نوري أفندي مفتي إدلب سابقا ، وكان بينهما موقف شهير اعترف فيه الشيخ محمد نوري بفضله والتسليم بكراماته الظاهرة للعيان ولا زال يذكرها إلى الآن ، وكذا الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أفندي المحمودي اللاذقي حتى إنه أخذ عنه ومدحه بعد وفاته بقصيدة توسلية جاء فيها :
وبشيخنا القطب اليماني الذي |
|
في الشغر أضحى ثاويا مستوطنا |
حتى توفاه الإله وقبره |
|
بجوار عز الدين يشرق بالسنا |
أحيا بلاد الشرق في إرشاده |
|
وبنى المساجد في قراها واغتنى |
وكان لا يقبل إنعاما من أحد إلا إذا أهدي إليه كتاب ، ولا يمد يده لغير مشروع ، زاهدا في هذه الدنيا ، لم يتزوج ولم يملك من حطامها شيئا ، ويكتفي بالقليل من الطعام. وكان صومه أكثر من إفطاره ، ولباسه ثوبا من الخام الذي يصنع بالقرية نفسها.
وحينما حضر إلى هذه البلاد كان عمره ٢٣ سنة وتوفي في الخامسة والأربعين من العمر (في التاريخ المتقدم) وأنشأ الزاوية المتقدمة وجامعا في الشغر بكسرية ومسجدا في قرية كفرنجي.