من السجن. وبعد أن قصد كثيرا من البلاد ألقى عصا الترحال في مدينة لندن.
وكان متبحرا في العربية وسائر فنونها ، مطلعا على أخبار العرب ، راويا لأشعارها ، لا يرضيه غير شعر جاهليتها. وكان يجيز لنفسه ما ورد في شعرها من الزحافات والسنادات وسائر عيوب الشعر التي جمعها
الخليل وتحاماها الشعراء من بعده. وله شعر كثير فيه شيء وافر من ذلك ، وقد طبع منه «أشعر الشعر» وهو ستة أسفار من التوراة نظمها وأحسن في بعضها كل الإحسان ، وله رسالة سماها «النفثات» عرّبها نظما ونثرا عن كريكوف شاعر الصقالبة ، وهي حكم مروية على ألسن الطير والبهائم شبيهة بكليلة ودمنة ، وفي بعضها من حسن السبك والانسجام ما جرى على ألسنة قرائها في العربية مجرى الأمثال ، كقوله في ختام القصيدة المعنونة بشركة الأربعة المتفقة :
أنّى اشتهيتم فكونوا الجالسين فما |
|
على يديكم تأتّت نغمة الطرب |
ومن نظمه يتشوق إلى ولده ألبير في جزيرة الأمراء بالقسطنطينية :
نفحات الشمال حيّ الجزيره |
|
حي ألبير واستزيدي سروره |
راح يمرح في الرياض وطورا |
|
كغزال البقاع يبدي نفوره |
شبهه ليس في بني الناس لكن |
|
في الملائك صورة وسريره |
نزّل الحسن والبهاء عليه |
|
خالق الحسن آية مشهوره |
قد تخيلته بفكري وقلبي |
|
نازع يجتلي على البعد نوره |
حجّبوني في حجرة وحموا عن |
|
مقلتي أن يزورني أو أزوره |
يا صبيا على حداثة سن |
|
يكتم السر لا يزيح ستوره |
أرقد الليل فوق صدري عن عك |
|
س الضياء على محياك صوره |
ما تأملتها بكيت التياعا |
|
ضارعا أن تراك عيني قريره (١) |
وله أيضا من السجن يستعطف فؤاد باشا :
فؤاد يا ذا الملك عطفا على |
|
غرسك يذوي في شقا محنته |
__________________
(١) رأيت هذه الأبيات في ديوانه «النفثات» وكذا بقية الأبيات التي بعدها مذكورة فيه.