واشتغل بأمانة الفتوى مدة ، وعين عضوا في مجلس إدارة الولاية.
وكان ربعة أسمر اللون نحيف الجسم أسود العينين وخطه الشيب في أواخر عمره ، وكان رقيق الحاشية ظريف المحاضرة لا يمل منه جليسه ، حسن الخلق جدا ، وربما أوقفه ذو سؤال زمنا غير يسير وهو يستمع له ولا ينصرف حتى يكون السائل هو المنصرف.
وكان وقورا مهابا قنوعا متصلبا في دينه وقافا عند الحق.
وكان يعرف اللغة التركية إذ كان يندر من يعرفها بحلب خصوصا من العلماء. وحدث مرة أن انحلت نيابة القضاء في حلب وتأخر قدوم النائب ، فأراد الوالي إذ ذاك أن لا تتراكم الأشغال في المحكمة الشرعية ، فكلف رئيس الكتاب أن يتولى القضاء وكالة ، فقال له :
لا يجوز توكيل الوالي ولا ينفذ قضاء من يوكله ، فقال له : أنا وكيل الخليفة فلي أن أوكل ، فأبى عليه القبول ، فتكدر منه وأخرجه من عنده. ثم إنه أراد تنفيذ مقصده فكلف المترجم إلى الوكالة ، فأجابه إلى ذلك ، فسر جدا وكتب له في الحال منشورا بتوكيله إياه في القضاء ، فذهب إلى المحكمة الشرعية وصار الناس يتطلعون إلى صنيعه كيف يوفق بين أمر الوالي والحكم الشرعي ، فكان يسمع للخصمين ويضبط مقالهما ثم يشير عليهما بالصلح ويريهما أحسن وجه للاتفاق ، ولا يزال يعظهما بالموعظة الحسنة حتى يتصالحا فيكتب بينهما صكا وقد حصل المطلوب من للقضاء. وإذا أتى عليه خصمان عن المصالحة قال لهما : أتحكمانني بينكما؟ فيحكمانه ، فيكتب صكا بتحكيمهما ثم يحكم بينهما ويؤخر تسليم صك الحكم إلى حضور النائب ، ثم لما حضر النائب أمضى كل ما تم من قبل المترجم وختم صكوكه. وقد اكتسب شهرة عظيمة بهذا الصنيع فكان من بعد ذلك وقفا على الإصلاح بين الناس ، وربما حضر مجلسا لإصلاح بين خصمين فوجد الخصم الذي دعاه غير محق ، فكان لا يألو جهدا في نصحه وإرجاعه إلى طريق الحق ، وإنما كان موفقا في ذلك لأنه إنما كان يقصد وجه الله تعالى.
وكان متوليا على جامع جده أبي يحيى وخطيبا وإماما فيه.
وكانت وفاته في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ثلاثمائة وألف ، ودفن في جامع جده المتقدم رحمهالله تعالى ، وخلف ولدين أحدهما السيد الشيخ عبد الرحمن أفندي المشهور