ولد رحمهالله سنة ١٢٤٠ ، وتلقى العلوم العربية والفقه الحنفي عن سيدي الجد ، ثم اتصل بالأستاذ الكبير الشيخ أحمد الترمانيني فقرأ عليه علم النحو وعلم الحديث ، وقرأ علم الفرائض على الشيخ مصطفى الشربجي الفرضي المشهور. وحبب إليه الاشتغال بالطريق فلازم الزاوية الهلالية كسيدي الجد ، وأخذ الطريقة الخلوتية عن مشايخها الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم الكبير ، ثم عن ولده الشيخ عبد اللطيف ، ثم عن ولده الشيخ مصطفى الهلالي ، وكان ملازما لحضور مجلس الذكر الذي يقام في الزاوية المذكورة في كل يوم جمعة بعد العصر ، ويختلي في الشتاء أربعين ليلة على عادتهم لا يفتر عن ذلك. وأكب على مطالعة كتب السادة الصوفية خصوصا كتاب «إحياء العلوم» للإمام الغزالي.
وكان مع اشتغاله بالعلم والطريق يتعاطى صنعة البصم المسماة (بالبصمجي) إلا أنه لم ينجح فيها ، فاضطر إلى تركها ، وصار سيدي الوالد يرسله في تجارته إلى مكة في بعض السنين. وفي سنة ١٣٠٦ باع داره الكبيرة التي هي في محلة الجلّوم الكبرى في شارع الصليبة وهي من الدور العظام في هذه المحلة إلى الشيخ مصطفى الهلالي ، وقد وقفها الشيخ مصطفى على بناته ، وقد كانت آلت إلى سيدي العم بالإرث عن والده وبالشراء من أخويه وشقيقته ، ثم إنه أخذ بثمنها تجارة إلى مكة وذلك سنة ١٣٠٧ وسنة ١٣٠٨ ، ففي هذه السنة حصل هناك مرض الكوليرا كما حصل في السنة التي قبلها وأصيب به سيدي العم وتوفي هناك في السابع عشر أو الثامن عشر من ذي الحجة ودفن في المعلا.
ولما عدت من مكة مع سيدي الوالد إلى حلب وذلك في ربيع الأول سنة ١٣٠٨ كان سيدي العم معنا ونزلنا جميعا في جدة وقعدنا فيها ٤٥ يوما ننتظر مجيء سفينة تقلنا إلى بيروت أو الإسكندرونة ، وكان هناك تاجر قاطن فيها يقال له الشيخ محمد مراد الطرابلسي من أهالي طرابلس الشام ، وكان من أهل العلم والفضل وبينه وبين سيدي العم وسيدي الوالد مودة تامة وصحبة أكيدة ، فكانا أثناء إقامتنا في جدة يزورانه في كثير من الأوقات ، وكنت أذهب معهما ، فكان هو وسيدي العم يتطارحان المسائل الفقهية والأدبية ويأخذان في المناظرة ويطول الجدال بينهما ، فكان يتراءى لي وأنا صغير أن الحق تارة يكون مع السيد الطرابلسي وتارة مع سيدي العم ، وأنهما في حلبة السباق فرسا رهان ، ويتبين جلالة فضلهما ودقة نظرهما وسعة مداركهما وغزارة مادتهما. ولم يطل تمتعي بسيدي العم لأنه عاد في هذه السنة إلى مكة وتوفي بعد نزوله من عرفات كما تقدم.