ثم عاد إلى حلب سنة ١٢٩١ وأخذ في نشر العلم ، وهرعت إليه الطلاب. وبعد مجيئه بأشهر قلائل عيّن مفتيا لحلب ، فبقي نحو سنتين ثم عزل بالحاج عبد القادر أفندي الجابري المشهور بحاجي أفندي. وبعد سنتين أعيد إلى منصب الإفتاء وبقي إلى سنة ١٣٠٤ ، ففيها عزل حينما عزل والي الولاية جميل باشا وعيّن موضعه الشيخ أحمد الزويتين.
كان رحمهالله مربوع القامة أبيض اللون ، ذا شيبة نيرة ، بشوشا دمث الأخلاق ، حسن العشرة. وعين مدرسا للمدرسة القرناصية يقرأ فيها الفقه الحنفي وغيره ، ومدرسا في الجامع الأموي يقرأ فيه درسا عاما أمام الحضرة النبوية.
ومن تلامذته الشيخ علي العالم قاضي حلب الآن ، والشيخ نجيب سراج واعظ الديار الحلبية ، والشيخ راجي مكناس ، والشيخ وحيد حمزة ، والشيخ أحمد الشماع ، والشيخ بها الكاتب وغيرهم.
واشترى دار الحاج أحمد الصابوني الشهيرة في محلة باب قنسرين ، وقد تكلمنا عليها في ترجمته ، ولم ينجح المترجم بعد شرائها ، فإنه عزل على إثر ذلك.
وكان بينه وبين سيدي الوالد مودة أكيدة ، واستصحبني غير مرة لزيارته في داره هذه وأنا صغير ، فكنت أرى فيه من البشاشة والملاطفة ما لا مزيد عليه ، ولم يتسن لي الحضور عليه لأني ابتدأت في الطلب قبيل وفاته وكنت أقرأ في مبادىء العلوم.
وله رسالة في علم الفرائض وتعليقات على دلائل الخيرات مطبوعة على هامشها في الطبعة التي طبعت سنة ١٢٧٧ ، وذكر أنه اقتبس ذلك من شرح العلامة الفاسي والشيخ سليمان الجمل والشيخ حسن المدابغي والعلامة السملاوي. وله رسالة سماها «كشف الران عن وجه البيان» وهي شرح لمنظومة للشيخ الأكبر في علم الزايرجة رأيتها وهي في ٣٥ صحيفة.
وكان رحمهالله كثير اللطف بالطلبة عظيم الرأفة بهم ، حتى إنه كان إذا جاءه المتولي على المدرسة القرناصية بوظيفته يسأله هل أعطيت المجاورين ، فإن قال له نعم يأخذها حينئذ وإلا قال له : أعط الطلبة وأخرني فإنهم أحوج مني ، إلى غير ذلك من مآثره الحسنة.
ولم يزل دائبا على التدريس والإفادة إلى أن توفي ثاني عشر شوال سنة ١٣١٢ ودفن في تربة الكليباتي خارج باب قنسرين. وكانت وفاته في جنينته المعروفة بجنينة التقي ،