وفي حلب كان يجتمع بأطبائها المشهورين في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن ، مثل السيد بكري زبيدة والحاج محمد الحكيم المشهور بالأفندي ومصطفى أفندي الخلاصي. وهؤلاء مع معرفتهم بالطب القديم كانوا قد تلقوا شيئا من الطب الحديث عن بعض الأطباء الغربيين الذين توطنوا في حلب ، فكان المترجم يذاكر هؤلاء وكانوا يعترفون له بالذكاء والمهارة في هذه الصنعة.
وكان متمسكا بدينه تمام التمسك ، قائما بما افترضه الله عليه لا يهمل شيئا من ذلك ، وله أدعية خاصة كان يدعو بها. ومما حفظ عنه قوله : اللهم أعذني من شموس الطبيعة وجموح النفس الردية ، يا منير ظلمة الضلالة بنور الإيقان خذ بأيدينا ، ومن مهواة الهلكة نجنا ، ومن ردغة الطبيعة طهرنا.
وكان لأهل بلده اعتماد عظيم عليه وثقة تامة به ، حتى إن أكثر المسيحيين القاطنين في بلدته كانوا يتطببون عنده ، وذلك لحسن معاملته ونصحه في تطبيبه لجميع الناس.
وكان له عطف على الفقراء والضعفاء ، فكان فضلا عن مداواتهم مجانا يأتيهم بالطعام والشراب وكل ما يحتاجون إليه في أثناء مرضهم. وكان له صدقات سرية لا يقصر في ذلك.
ومن آثاره الحميدة تجديده لزاوية بني المراد بعد أن تخربت ، فجدد مسجدها وبنى بمقابلته من جهة الشمال قبوا مستطيلا أقام على ظهره أربع غرف أسكن فيها الطلاب ، وأمامها تتمة ظهر القبو جعله للصلاة أيام الصيف وفرشه وفرش صحن الزاوية بالبلاط.
وكان إذا فرغ من تفقد المرضى اعتكف في المسجد يتلو كتاب الله تعالى عن ظهر قلب. وكان له صوت حسن. وكان يهجر مضجعه في داره ويأوي إلى هذا المسجد ليلا ، ولا يزال معتكفا فيه يتلو أوراده تارة ويتهجد تارة إلى أن يطلع الفجر ، ذكر ذلك بعض عارفيه الواقفين على أحواله من المجاورين في إحدى الغرف المتقدمة.
وكان لا يألو جهدا في مساعدة من يسعى لترميم المساجد ومعاونة من ينهض لجمع شيء من المال للفقراء عند الشدائد.
وكان هو القائم في التوقيت في رمضان للإفطار والسحور بنفسه ، ويضرب المدفع لأهل البلدة بيده ويعطي قيمة البارود من ماله. ويهتم في أمر النظافة في البلدة كثيرا.