في سياسة الدولة العثمانية ، فلم يسر فيها على مقتضى ما سماها به. وقد تكلم على هذه أيضا في «تاريخ الصحافة العربية».
والسيد الكواكبي هو أول من أنشأ صحيفة في الشهباء بعد الصحيفة الرسمية ، فكان له فضل التقدم ، وذلك ينبئك عن علو همته وما انطوت عليه نفسه من حب الإصلاح ، غير أنه كان الأجدر به أن يخفف اللهجة في كتاباته ويلين القول في عباراته ، لأن الأمراء العثمانيين لم يتعودوا بعد سماع الانتقاد على سياستهم ، ولم يألفوا أن ينبهوا إلى سيىء إدارتهم ، فلا ريب أنهم يستعظمون ذلك على نفوسهم ويكافحونه بما لديهم من القوة ولا يتكافأ معهم قلم السيد الكواكبي ، وبه وحده لا تثل عروش الاستبداد ولا تدك صروح الاستعباد ، تلك سنة الله في خلقه.
ولذا كان عمر هاتين الصحيفتين قصيرا ، ولم تحصل الثمرة المقصودة ولم تنل الضالة المنشودة ، وهي استبدال الإدارة السيئة بإدارة حسنة تنتظم بها حالة البلاد والأمة.
كان الجهل فاشيا في الشهباء ، والأمية غالبة في تلك السنين ، وقل فيها من كان يكتب ويقرأ ، فكان الجدير بالسيد أن يجعل باكورة أعماله نداء الأمة نداء خفيا يحثها على طرح رداء الجهل المنتشر بين أبنائها والتحلي بحلية العلم ، ويوقظها من سباتها من حيث لا يشعر به أحد ، وينبه فيها الشعور من وراء ستار ، لتدب فيها روح الحياة ، وتتربى نفوسها على الحركة والعمل. ولا ريب أنه بذلك لا يجد في سبيل سيره معارضة ، ولا من أولي الأمر مقاومة ، وكان لا يلبث عشية أو ضحاها إلا ويرى أمامه فئة تغذت بلبان العلم واكتست برداء النباهة ، وتستبدل الشهباء حينئذ تأخرها العلمي والاقتصادي بالسير إلى الأمام في هذا السبيل من ذلك الحين ، وكان يظهر الآن أثر ذلك وتجتنى ثمرته.
وأعظم بهذه النهضة إذا بنيت على التمسك بالشريعة الإسلامية وآدابها العالية والتخلق بالأخلاق الفاضلة التي عليها بني مجدنا الغابر ، وبها كنا خير أمة أخرجت للناس.
ولا ريب أن الأمة الحلبية بعد أن تتقلد بهذا السلاح المتين كانت تلتف حوله بطبيعتها ، وتكون له خير معين على نيل مقاصده وتحقيق أمانيه ، فالمرء كثير بأخيه. وحسبنا في هذا