حقهم قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(١).
وتزوج رحمهالله ست زوجات جمع بين أربع. وحدثتني زوجته السيدة الشريفة عائشة بنت الحاج صادق الموقت ، وهي بنت أختي من الرضاعة ، فإن أمها السيدة فاطمة بنت السيد الحاج محمد الطباخ شقيق جدي وعم والدي كانت رضعت من والدتي ، قالت : كان الشيخ بعد أن ينتهي من سمره مع الناس يدخل إلى منزله الداخلي إلى بيت من يكون دورها ، وتكون متهيئة له مترقبة حضوره ، فإذا أتى قامت بواجب خدمته من تقديم القهوة والنارجيلة ، وبعد أن يتحدث مع إحدانا يأخذ في مطالعة الكتب ، وربما أسمعنا ما فيه عظتنا ومسائل فقهية يقتضي أن يتعلمها النساء ، ونظل معه هكذا إلى الثلث الأخير من الليل ، فينهض إلى التهجد وقراءة أوراده إلى أن يؤذّن الفجر ، فعند ذلك يؤدي الصلاة وينام ولا يزيد نومه على خمس ساعات ، وربما نام أقل من ذلك ، وبعد أن يستيقظ يقوم فيتوضأ ويأخذ في صلاة الضحى ، ويتناول لقيمات إن لم يكن أصبح صائما ويخرج إلى الزاوية. بقي على ذلك ثمانية عشر عاما إلى أن توفي رحمهالله تعالى ا ه.
وكان كثير الصدقة ، يقوم بمؤنة كثير من البيوت. وعمر مسجدا صغيرا في أول محلة العقبة قبيل الخان المعروف بخان كامل.
وكان مربوع القامة أبيض الوجه خفيف اللحية ، الحمرة لا تفارق عينيه ، وهي أمارة الشهامة وقوة النفس ، عظيم المهابة يهابه كل من رآه ، سواء في ذلك من عرفه ومن لم يعرفه ، لا يزور أحدا من الحكام ولا الأمراء ولا يرغب في أن يقابلهم ، وبعد جهد حتى قبل زيارة جميل باشا والي حلب ، ولا يزور أحدا من الأغنياء ، بل كان الجميع يسعون لزيارته والتبرك بتقبيل يده وحضور مجالسه المفيدة الخالية عن اللغط ولهو الحديث.
ولم يزل على حرمته وحسن طريقته إلى أن توفي بعلة الصدر ليلة الجمعة تاسع عشر المحرم سنة ١٣٢٩ في الأيام التي حصلت فيها الثلوج العظيمة ودامت نحو أربعين يوما واشتد فيها البرد إلى أن وصل إلى ٢٠ أو ٢٢ تحت الصفر ، وكثر الموت في تلك السنة خصوصا في القادمين إلى حلب من الأطراف والخارجين منها إلى غيرها ، فقد مات أشخاص كثيرون
__________________
(١) الحجرات : ١٠.