وكان من حين نشأته محبا للعلم مجبولا على التقوى والزهد. وبعد وفاة أبيه أتى إلى حلب وذلك في سنة ١٢٧٥ وأقبل على الاشتغال وتحصيل العلم ، فقرأ النحو والصرف وفقه الشافعي وبعضا من تفسير البيضاوي على الشيخ الكبير الشيخ أحمد الترمانيني ، ولازمه مدة طويلة ، وكان جل تحصيله عليه ، وكان للشيخ عناية خاصة فيه لصلاحه وورعه ، وقرأ المغني والشفا والشمائل والبخاري ومعظم مختصر السعد على الشيخ عبد السلام الترمانيني ، والدر المختار في الفقه الحنفي مع حاشية العلامة ابن عابدين على الشيخ علي القلعجي ، والطريقة المحمدية على الشيخ أحمد الزويتيني مفتي الحنفية. وقرأ على الشيخ إسماعيل اللبابيدي والشيخ مصطفى مدرس المدرسة العثمانية والشيخ أحمد الحجار. ودرس بنفسه كتابين في فقه الإمام مالك وكتابا في فقه الإمام أحمد بن حنبل.
وجاور في السيافية والإسماعيلية والقرناصية ، وأخيرا جاور في العثمانية ، وبقي فيها مدة طويلة يدرس فيها الفقه الشافعي والصبان على الأشموني في النحو وغير ذلك.
وكان قلّ أن يخرج من هذه المدرسة ، ولا شغل له إلا إفادة الطلاب والتعبد ، قليل الاختلاط بالناس ، ملازما لحجرته ، إذا رأيته من بعد تخال فيه سمة البساطة والغفلة وليس كذلك ، بل كان ذكيا نبيها ، لكنه يتغافل ، يدلك على ذكائه أنه كان حفظ القرآن عن ظهر قلب في شهر واحد في شهر رمضان ، كان يحفظ كل يوم جزءا مع الإتقان ، وكان يحفظ متونا كثيرة. وكان كثير الترنم بتائية الإمام السبكي ومنظومة الوعيظي ، وكان كثير التلاوة ولا يفتر كشيخه الشيخ أحمد الترمانيني عن قراءة فاتحة الكتاب وجعلها ورده ، قانعا من الدنيا بالكفاف ، لا يمسك ذهبا ولا فضة ، متوكلا ، معروفا بكرم النفس وسماحة اليد ، يتحرى المال الحلال على قدر إمكانه ويصرفه على نفسه وإخوانه.
ولد له ولد سماه باسم أبيه أحمد ، عاش تسع سنين ومات ، فاحتسبه ولم يعقب بعده ، وربما قصد للرقيا والكتابة وتظهر بركة نفسه وكتابته بإذن الله تعالى.
وألف حاشية حسنة مطولة على شرح العلامة السعد التفتازاني لمختصر الزنجاني في الصرف سماها «الفتح الرباني على شرح العلامة التفتازاني» في ٢٨٠ صحيفة ، وعندي منها نسخة خطية ، ويوجد منها في الشهباء عدة نسخ. وله مؤلف آخر في علم المنطق سماه «فتح الوهاب على مغني الطلاب» في ١٧٠ صحيفة.