تلك الفتنة ثمة ، وذلك أيام الوالي حسن باشا أشقورده لي في سنة ١٣١٣.
وكان رحمهالله شهما غيورا ، لا يألو جهدا في قضاء حوائج الناس لدى الحكام ، خصوصا في مجلس الإدارة الذي قضى فيه مدة طويلة ، مستقيما عفيفا حسن الاعتقاد مواظبا على الصلاة محبا للعلم وأهله والأدب وذويه ، لذلك كان يغشى منزله العلماء والأدباء فيرون منه مزيد الإقبال. ولمحبته للعلم ورغبته في إحيائه رمم مسجد الدليواتي الكائن بالقرب من منزله في محلة الفرافرة ، وبنى فيه ست حجر للطلبة وحجرة للمدرس ، وعيّن له مدرسا شيخنا العلامة الشيخ أحمد المكتبي الفقيه الشافعي على أن يدرس فيه الفقه على مذهب الإمام الشافعي رضياللهعنه ، وقصد بذلك إحياء فقه الشافعية الذي كاد يدرس لقلة علماء الشافعية بحيث لم يبق في الشهباء من يشار إليه فيه سوى شيخنا المتقدم ، وسبب ذلك إقبال الطلاب على التفقه على مذهب الحنفية ، لأن الإفتاء والقضاء والمعاملات على ذلك المذهب بمقتضى أوامر سلاطين الدولة العثمانية ، والناس على دين ملوكهم. وكان افتتاح هذه المدرسة وابتداء التدريس فيها يوم السبت في عشر ربيع الثاني سنة ١٣٢٣ ، وقرىء يوم افتتاحها المولد النبوي حضره بعض العلماء والوجهاء.
وشرط المترجم أن يكون الطلاب من الغرباء. وبقي شيخنا الشيخ أحمد المكتبي مدرسا فيها إلى حين وفاته ، وذلك في سنة ١٣٤٢ ، وخلفه في التدريس فيها تلميذه الشيخ سعيد الإدلبي وهو باق إلى الآن. وصرف المترجم على هذه الحجر وترميم هذا المسجد ٣٠٠ ليرة عثمانية ذهبا ، ووقف له خانا في محلة باب النيرب في بوابة الشيخ جاكير وثلاثة دكاكين في طرف الخان ، غير أن الوقفية لم تسجل بعد.
ومن آثاره مسجد عمره في محلة الصفا ووقف له دكاكين عمرها في جانب المسجد.
وعمر مسجدا في قرية حليصية وفي قرية فافين ، ومسجدا في قرية تل قراح ، والقريتان الأخيرتان ملحقتان بقضاء عزاز.
ومن آثاره نشر كتاب «بدائع الصنائع» ذلك الكتاب الجليل في الفقه الحنفي للإمام الكاساني الحلبي المتوفى سنة ٥٨٧ ، فإنه طبع على نفقته ونفقة ابن عمه الحاج مراد أفندي الجابري في سبع مجلدات في مصر في المطبعة الجمالية ، وقد قدمنا ذكر ذلك في ترجمة الإمام الكاساني.