وكان المترجم يضع في كل بيت من بيوت داره الواسعة خزانة من كتبه فيطالع فيها في الأدب والتاريخ ، وقد كان مولعا بهما ، ويحفظ قسما كبيرا من المعلقات وغيرها. وكان منزله الخارجي (القناق) مجمعا للعلماء والأدباء أمثال شيخنا الشيخ بشير الغزي وأخيه الشيخ كامل والشاعر يوسف الداده وغيرهم.
وتولى عدة وظائف ، فصار عضوا في محكمة بداية الحقوق ، ثم في محكمة استئناف الجزاء ، ورئيسا لغرفة التجارة في حلب ، وصار رئيسا للمجلس البلدي أولا وثانيا ، وولايته للمرة الثانية كانت سنة ١٣٢٥ هجرية حينما كان والي الولاية محمد ناظم باشا.
وجرى له معه حادثة وهي أنه في السنة المتقدمة والتي قبلها حصلت عمارة في الجامع الكبير ذكرناها في أواخر الجزء الثالث (ص ٤٠١) ، وعيّن المترجم ناظرا للعمل ، وقد فاتنا أن نذكر ذلك ثمة ، وصرف وقتئذ ألفا ليرة عثمانية ذهبا. ولما قدّم المترجم دفتر المصروف لم يوافق المجلس على ختمه ، وكان المعارض في ذلك الشيخ محمد العبيسي مفتي حلب لأمر كان بينهما ، فبلغ المترجم ذلك فحمل ألفي ليرة وذهب إلى المجلس ، ولما دخل قال : إن ما صرفته على الجامع هو تبرع مني إليه ، وها هي الألفا ليرة. وحينئذ أدرك الوالي ناظم باشا وبقية الأعضاء سر المسألة وأخذوا في تلطيف خاطره وختموا له الدفتر وأعادوا له الدراهم.
ومن مزاياه أنه كان صادق اللهجة مستقيما حسن الوفاء لما وعد به ، مبسوط اليد لا يألوا جهدا في بذل المعروف لذوي الحاجة والفاقة ، مبذول الجاه لمن قصده بقدر الإمكان ، باش الوجه متواضعا. وامتدحه عدة من شعراء الشهباء بعدة قصائد. ومع مداخلته في أمور الحكومة وتوليه للوظائف المتقدمة وغيرها من اللجان (القومسيونات) التي عين فيها تارة رئيسا وتارة عضوا لم يلبس الثياب الضيقة التي يلبسها الحكام المسماة (بالسترة والبنطلون) بل بقي على لباسه العربي ، وهو الثوب المعروف بالقنباز ، وفوقه زنار من الشال الهندي وجبّة طويلة من الجوخ كما تراه في رسمه.
وفي نواحي سنة ١٣٢٧ بعد أن انتهت مدة رئاسته للبلدية لزم بيته وعكف على المطالعة كما قدمنا وعلى النظر في شؤون أملاكه وزراعته وزيتونه الذي في نواحي كفر تخاريم وسلقين ، إلى أن وافاه الأجل المحتوم ، وذلك يوم الثلاثاء في العشرين من جمادى الأولى سنة ١٣٣٥ ، ودفن في تربة الصالحين ، رحمهالله تعالى.