وحمدت سيرته في أحكامه لتمسكه بالحق ومراعاته للوجدان ، وفي تلك السنين عين عضوا في مجلس الإدارة أيضا.
ولما صار جميل باشا واليا على حلب كان في أول الأمر على وئام تام معه ، إلى أن توفي مصطفى آغا كتخدا ، فأراد جميل باشا أن يشارك الورثة في تركة أبيهم ويتناول منها بعض ما فيها من المتاحف ، ورغب من المترجم معاضدته على ذلك ، فأبت شهامته موافقته ، وأخذ في ذلك الحين في مناهضته. وكانت حلقات الخلاف قد استحكمت بين جميل باشا وبين بني الجابري أيضا ، وعزم على نفي نافع باشا إلى مرعش وقصد إركابه على دابة وكان الوقت في تموز أملا بالقضاء عليه في الطريق ، فعارضه المترجم أشد المعارضة واشتد الخصام بينهما ، وصار جميل باشا يخابر الآستانة في شأن أحمد أفندي وأحمد أفندي يخابرها كذلك ، وخشي الناس أن يوقع جميل باشا بالمترجم ، وصار أصدقاؤه يبتعدون عنه خشية من بطش جميل باشا بهم لموالاتهم له.
وكان من جملة أصدقائه رزق الله وكيل أحد أعضاء مجلس الإدارة وقتئذ ، ولما رأى ما حصل خشي من بطش جميل باشا به لموالاته للمترجم ، فوجد من المناسب أن يذهب إلى الآستانة ويبقى فيها إلى أن تنقشع تلك السحابة ، فلم يأذن له جميل باشا إلا إذا كان أثناء وجوده هناك يشهد أمام الوزارة والسلطان أن أحمد أفندي من الموالين للدولة الإنكليزية ، وقصده إدخالها إلى هذه البلاد ، وأن في إبقائه في حلب خطرا عليها وعلى البلاد ، ومن الواجب قتله أو إبعاده. وكتب جميل باشا إلى المابين بذلك وطلب من حكومة الآستانة استشهاد رزق الله وكيل ضيف الآستانة على ما بينه في كتاباته عنه.
أما رزق الله وكيل فإنه لم يرض أن يخالف وجدانه ويتكلم بغير الحق. ولما مثل بين يدي السلطان والوزراء جاهرهم بالحقيقة ونفى ما نسبه جميل باشا إلى المترجم بتاتا وبين لهم حقيقة أخلاقه وما انطوى عليه. عندئذ أرسل السلطان عبد الحميد صاحب ملابك إلى حلب مفتشا وكان رجلا موصوفا بالصدق والصلاح والاستقامة وللسلطان فيه تمام الثقة.
فلما وصل إلى حلب نزل أولا ضيفا في التكية المولوية ، فهرع للسلام على وجوه الشهباء إلا المترجم ، فإنه لم يذهب علما منه أنما أتى لأجل قضيته والخلاف القائم بينه