زال هذا الشاب يتدرج في الخدم العالية حتى صار واليا في حلب وفي عدة ولايات.
وممن لازم أخي من أفاضل الأتراك رفعت بك المناستري صاحب المؤلفات الشهيرة عند الأتراك ، وهو الذي اقترح على أخي أن يعرّب المنظومة المعروفة «بترجيع بند» المنسوبة إلى ضيا باشا أحد فضلاء الأتراك ، وقد سمى تعريبها «حدائق الرند» ونظمها نظما بديعا حريا أن يعد من نوع السهل الممتنع ، مع محافظته على مقاصد الناظم دون زيادة ولا نقصان. وقد استعان رفعت بك بأخي على تفسير القرآن الكريم باللغة التركية ، ففسر منه نحو الثلثين ثم أدركته منيته.
صفته وصفاته المعنوية :
كان رحمهالله عظيم الهامة بعيد ما بين المنكبين واسع الجبين مشرق الوجه خفيف العارضين لا يرى فيهما سوى شعرات قلائل ، وكاد الصلع يعم رأسه ، مائلا إلى الطول ، بدينا قد ملأ جسمه ثيابه ، مفتول الساعدين عظيم الكفين والقدمين ، يميل لون وجهه إلى الاصفرار ولون بشرته إلى البياض الناصع ، رقيق القلب يتأثر جدا لرؤية الفقراء وأرباب البلايا ، ومع ما كان عليه من الشفقة والحنان كان على غاية ما يكون من القوة والشجاعة وثبات الجأش ، لا يروعه حادث مهما كان عظيما ، محبوبا عند الناس خاصتهم وعامتهم ، مسلمهم وغير مسلمهم.
وكان تلامذته في الغاية القصوى من محبته واحترامه. وكان عذب المنطق حلو الحديث نادر الفكاهة كثير الصمت حسن التفهيم ، وقلما يتحدث بنادرة أدبية يعرفها أحد من أهل مجلسه.
وكان يقرأ في المدرسة الرضائية تفسير القرآن العظيم للقاضي البيضاوي ، فيرى منه كبار الطلبة العجب العجاب في تقرير مسائله وكشف مخبآت إشاراته وحل ما في حواشيه من العبارات الغامضة والتراكيب المستغربة.
وكان الشعر من بعض محاسنه ، إذا نظم في موضوع جمع في نظامه البداعة والفصاحة وحسن البيان.