ذلك في الكلام على هذا الجامع في ترجمة بانيه في الجزء الخامس (ص ٢٩٢) (١).
وقام على بعض العمارات التي حصلت في المدرسة الخسروية وفي الجامع الكبير ، واسمه مذكور في الأبيات التاريخية المنقوشة فوق باب القبلية المعروفة بالحجازية.
ثم إنه بأمر من الشيخ أبي الهدى اشترى عدة دور مجاورة لأصل التكية وزاد في عمارتها على الصورة التي نراها الآن ، غير أن من يرى هذه العمارة يعتقد أنه قصر لبعض أهل الغنى والثراء لا تكية عمرت لمأوى الفقراء.
وكان رحمهالله حسن الملتقى ، متواضعا للكبير والصغير ، كثير المداراة للحكام ملائما لأفكارهم وأفكار الوجهاء في حلب. ولعل ذلك كان سبب بقائه في هذا المنصب حتى بعد وفاة الشيخ أبي الهدى إلى حين وفاته ، ولو لا ذلك لعزل من هذا المنصب بعد إعلان الدستور لقلة بضاعته العلمية وكثرة المتصدين لهذا المنصب ، لكنه بمداراته الحسنة امتلك القلوب فصار له نصراء من الوجهاء أوجب ذلك بقاءه في منصبه. ولكنه لم يخل من الطمع في الوظائف التي لا ينبغي لمثله أن يمدّ يده إليها ، مثل قراءة بعض الأجزاء التي ينبغي أن تكون للحفّاظ وخصوصا العميان منهم والعجزة ، وإمامة بعض المساجد التي ينبغي أن تكون لطلبة العلم. وصار له على ما قيل نحو عشرين وظيفة ، وأنّى له أن يقوم بها مع اشتغاله بأمر الإفتاء واللجان وغير ذلك من مهام الأمور ، وكان ذلك موضع انتقاد الناس له.
وأثرى بعض الإثراء من هذه الوظائف ومن زراعة اتخذها في بعض القرى ، فعمر تحت القلعة بجانب الحمّام الناصري المعروفة بحمام اللبابيدية خانا ودارا واسعة ملاصقة للخان اتخذها لسكناه ، وسعى في تعريض الجادة التي أمام داره فتحسن بذلك هذا المكان. وسيزيده تقدما شروع الحكومة هذه السنة وهي سنة ١٣٤٥ ببناء دار له عظيمة بين الحمّام المتقدمة وبين المدرسة السلطانية الظاهرية التي هي تجاه باب القلعة ، وقد كان بوشر بحفر الأساسات لهذه الغاية سنة ١٣٣٦ زمن مصطفى عبد الخالق بك آخر ولاة الدولة العثمانية في حلب ، ثم أهمل بسبب الاحتلال الإنكليزي الغربي لحلب في محرم سنة ١٣٣٧ إلى هذه السنة.
__________________
(١) تنبيه : قلت ثمة إن الأبيات التي نقشت في جدار قبلية هذا الجامع هي من نظم محمود أفندي الحكيم ، ثم لدى التحقيق تبين أنها من نظم صديقنا الفاضل السيد مسعود أفندي الكواكبي.