فضل وتنبل وامتلأ وعاؤه علما ، فتصدر حينئذ للتدريس وعين مدرسا للحديث في الحجازية التي في الجامع الكبير ، ثم عين مدرسا للمدرسة الصاحبية تجاه خان الوزير. وتهافتت عليه الطلاب لتلقي الحديث والفقه الشافعي والنحو غير ذلك من العلوم.
أما علم الحديث فقد كان بارعا فيه إليه المنتهى فيه بلا مدافع. وأما الفقه الشافعي فقد تفرد في الشهباء فيه وصار إليه المرجع. وأما النحو فقد كان فيه إماما. ومعظم العلماء والطلاب الموجودون الآن ومن توفي قبل سنوات تلامذته ، قل فيهم من لم يأخذ عنه. وكان يحضر درسه في الحجازية وأمام الحضرة في الجامع الأموي المئات من العوام ، وانتفعوا بدروسه ووعظه كما انتفع به الطلاب.
ثم عين مدرسا لمدرسة الشيخ موسى الريحاوي في محلة باب قنسرين ، ولما كانت الأوقاف التي وقفها الشيخ موسى المذكور قد اندرست ، وبعبارة أخرى قد ضبطت وأصبحت ملكا للناس ، سعى شيخنا رحمهالله في جمع دراهم من أهل البر والمعروف فبنى بها دارا ومخزنين ملاصقات للمدرسة ، ووقف هذه العقارات على المدرسة بتاريخ ٤ شعبان سنة ١٣٢٦ فصار بذلك لها شيء من الريع.
ولما عمر محمد أسعد باشا الجابري المدرسة الدليواتية في محلة الفرافرة عين شيخنا مدرسا للفقه الشافعي فيها ، وقد قدمنا ذكر ذلك في ترجمة الباشا المشار إليه.
ولما فتحت المدرسة الخسروية عين مدرسا للنحو وصار يقرأ شرح ابن عقيل على الألفية مع مشارفة حاشية الخضري عليه.
كان رحمهالله ذا همة عالية في التدريس ، مواظبا على ذلك حق المواظبة لا يعرف الكلل ولا الملل ، لا يقطع درسه إلا لمرض يعتريه. وكان رحمهالله قصير القامة بدينا مدوّر الوجه دري اللون ذا شيبة نيرة مهابا وقورا صالحا ورعا متعبدا ، قليل الاختلاط بالناس بعيدا عن محافلهم ومجتمعاتهم ، قل أن يحضرها ، لا يتطلب وظيفة ولا يتطلع لها ، عاش عيشة الكفاف ، وربما ضاقت به الحال فيتحمل ذلك ويصبر. ولم يكن فيه ما ينتقد به عليه سوى حدة في مزاجه ترى فيه بعض الأحيان سببها قلة معاشرته وانزواؤه عن الناس. وبالجملة فهو من خيار العلماء العاملين ،