الثالث (ص ٢٦٠) ما لم تتوجه إليهما همة دائرة الأوقاف وتلزم المتولين عليهما بذلك.
الكلام على الحالة العلمية في هذه المدرسة :
علمت مما تقدم أن الواقف اشترط أن يكون المجاورون العشرة في هذه المدرسة من أكراد ما وراء الموصل ، ولا ريب أن قصده من ذلك أن يأتي هؤلاء من بلادهم فيتلقوا العلم في هذه المدرسة إلى أن يتأهلوا ، ثم يخرجون منها فيسعون في نشر علمهم في هذه البلاد أو في غيرها ، والذي شاهدناه منذ أربعين سنة إلى الآن أن أكراد تلك البلاد يأتون إلى هذه المدرسة ويتخذونها دارا للبطالة ، وقل منهم من يشتغل بالعلم اشتغالا يجعله في صفوف العلماء الذين يستفاد منهم ، ولما لم يكن في شرط الواقف مدة مخصوصة فكان أحدهم ربما جاور في هذه المدرسة ثلاثين سنة أو أكثر وليس له من الغرض سوى تناول الوظيفة ويبقى على ذلك إلى أن يموت وهو لم يحصل على طائل فلا استفاد ولا أفاد ، ويساعده على البطالة وعدم الاهتمام بالتحصيل عدم انتظام أمر التدريس أيضا ، فكان ذلك داعية لأن لا يخرج من هذا المعهد العلمي هذه المدة مع وفرة واردات عقارات أوقافه أحد تستفيد منه الأمة ، ولم تتحقق غاية الواقف ، وكانت تذهب تلك الوظائف أدراج الرياح ، ولأن تسمى هذه المدرسة دار عجزة أولى من أن تسمى دار علم ودراسة. ومن جهة أخرى فإن هذه المدرسة تعطلت أثناء الحرب العامة وأصبحت خالية من الطلاب بتاتا فكانت كما قال الشاعر (١) :
مدارس آيات خلت من تلاوة |
|
ومهبط وحي مقفر العرصات |
كانت ذكراها وذكرى غيرها من المدارس في حلب يؤلم قلبي ويذكرني قول القائل :
كفى حزنا أن المدارس عطّلت |
|
وأن بني الآداب في الناس ضيعوا |
وأن ملوك الأرض لم يحظ عندهم |
|
من الناس إلا من يغنّي ويصفع |
حياة بلا علم حياة ذميمة |
|
وعلم بلا جاه كلام مضيّع |
فلما عينت نائبا في مجلس الأوقاف الأعلى الذي افتتح للمرة الأولى في دمشق في جمادى الأولى سنة ١٣٤٠ الموافق لكانون الثاني سنة ١٩٢٢ بينت حالة هذه المدرسة وحالة المدرسة
__________________
(١) هو دعبل بن علي.