كأنه قال اذكر ديار ميّة ولكنه لا يذكر اذكر لكثرة ذلك في كلامهم واستعمالهم اياه ولما كان فيه من ذكر الديار قبل ذلك ولم يستعمل اظهاره [طويل]
لقد خطّ رومّى ولا زعماته |
|
لميّة خطّا لم تبيّن مفاصله |
أضمر ولا أزعم زعماته ولا أتوهّم هذا في قولهم ولا زعماتك ولم يذكر ولا أتوهّم زعماتك لكثرة استعمالهم اياه ولاستدلاله بما يرى من حاله أنه ينهاه عن زعمه ، ومن ذلك قول العرب كليهما وتمرا فهذا مثل قد كثر في كلامهم واستعمل وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من الكلام كأنه قال أعطني كليهما وتمرا ، ومن ذلك قولهم كل شيء ولا هذا وكلّ شيء ولا شتيمة حرّ أي ائت كلّ شيء ولا ترتكب شتيمة حر فحذف لكثرة استعمالهم إياه فأجرى مجرى ولا زعماتك ، ومن العرب من يقول كلاهما وتمرا كأنه قال كلاهما لى ثابتان وزدني تمرا ، وكلّ شيء ولا شتيمة حرّ كأنه قال كلّ شيء أمم ولا شتيمة حر وترك ذكر الفعل بعد لا لما ذكرت لك ولأنه يستدل بقوله كل شيء أنه ينهاه ومن العرب من يرفع الديار كأنه قال تلك ديار مية ، وقال الشاعر : [بسيط]
(١) اعتاد قلبك من سلمي عوائده |
|
وهاج أهواءك المكنونة الطّلل |
ربع قواء أذاع المعصرات به |
|
وكلّ حيران سار ماؤه خضل |
كأنه أراد ذاك ربع أو هو ربع رفعه على ذا وما أشبهه سمعناه ممن يرويه عن
__________________
(٢٢٣) الشاهد فيه رفع الربع على اضمار مبتدا والتقدير ذاك ربع وجاز ذلك لما تقدم من ذكره للطلل الدال عليه ، ولو نصب على أعنى وأذكر لكان حسنا* يقول قد كنت سلوت عن حب سلمي هذه المرأة فلما نظرت الى آثار ديارها متغيرة ذكرتها فعاود قلبي حبها ، ومعنى هاج حرك والمكنونة المستورة وأصلها المصونة ، يقال كننت الشيء اذا صنته واكننته في نفسي اذا سترته وأخفيته والربع المنزل والقواء القفر ومعنى أذاع فرّق وغير ، ومنه اذاعة السر وهو نشره ، والمعصرات السحاب ذوات المطر ويقال الرياح أي غيرته وأزالت بهجته الامطار بما محت منه والرياح بما أذرت عليه ، وأراد بالحيران سحابا تردّد بمطره عليه ولازمه فجعله كالحيران لذلك والخضل الغزير.