ترى أنك اذا قلت مررت بزيد وعمرو لم يكن في هذا دليل على أنّك مررت بعمرو بعد زيد ، وصاعد بدل من زاد ويزيد ، وثمّ بمنزلة الفاء تقول ثمّ صاعدا إلا أنّ الفاء أكثر في كلامهم ، ومما ينتصب في غير الأمر والنهي على الفعل المتروك إظهاره قولك يا عبد الله والنّداء كلّه ، وأما يا زيد فله علّة ستراها في باب النّداء إن شاء الله حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم هذا في الكلام وصار يا بدلا من اللفظ بالفعل ، كأنه قال يا أريد عبد الله فحذف اريته وصارت يا بدلا منها ، لأنك اذا قلت يا فلان علم أنك تريده.
ومما يدلك على أنه ينتصب على الفعل وأنّ يا صارت بدلا من اللفظ بالفعل قول العرب يا إياك انما قلت يا إياك أعني ولكنهم حذفوا الفعل وصار يا وأيا وأى بدلا من اللفظ بالفعل ومن ذلك قول العرب من أنت زيدا ، وزعم يونس أنه قوله من أنت تذكر زيدا ولكنه كثر في كلامهم واستعمل واستغنوا عن إظهاره بأنه قد علم أن زيدا ليس خبرا ولا مبتدءا ولا مبنيا على مبتدإ فلا بدّ من أن يكون على الفعل كأنه قال من أنت معرّفا ذا الاسم ولم تحمل زيدا على من ولا أنت ولا يكون من أنت زيدا إلا جوابا كأنه لما قال أنا زيد قال فمن أنت ذاكرا زيدا ، وبعضهم يرفع وذلك قليل كأنه قال من أنت كلامك أو ذكرك زيد ، وإنما قلّ الرفع لأن إعمالهم الفعل أحسن من أن يكون خبرا لمصدر ليس به ولكنه يجوز على سعة الكلام ، وصار كالمثل الجاري حتى إنهم يسألون الرجل عن غيره فيقول القائل منهم من أنت زيدا كأنه يكلّم الذي قال أنا زيد ، أي أنت عندى بمنزلة الذي قال أنا زيد فقيل له من أنت زيدا كما تقول للرجل أطرّى إنّك ناعلة واحمقي ، أي أنت عندي بمنزلة التي يقال لها هذا ، سمعنا رجلا منهم يذكر رجلا فقال لرجل ساكت لم يذكر ذلك الرجل من أنت فلانا ، ومن ذلك قول العرب أما أنت منطلقا انطلقت معك وأما زيد ذاهبا ذهبت معه ، وقال الشاعر (وهو العباس بن مرداس) [بسيط]
(١) أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر |
|
فان قومى لم تأكلهم الضّبع |
__________________
(٢٣٥) الشاهد فيه حمل ذا نفر على اضمار كان والتقدير لأن كنت ذا نفر فحذفت كان وجعلت ما لازمة لأن عوضا من حذف الفعل بعدها ومعنى الكلام الشرط ولذلك دخلت الفاء جوابا لأمّا ، وقد بينت علة هذا على مذهب سيبويه في كتاب النكت ، والضبع هنا السنة الشديدة أى ان كنت كثير القوم عزيزا فان قومي موفورون لم تهلكهم السنون.