والنهى اذا قلت ضربا فالضرب غير المأمور ، وتقول زيد سيرا سيرا وإنّ زيدا سيرا سيرا ، وكذلك ليت ولعلّ ولكنّ وكأنّ وما أشبه ذلك ، وكذلك إن قلت أنت الدهر سيرا سيرا ، وكان عبد الله الدهر سيرا سيرا وأنت منذ اليوم سيرا سيرا ، وأعلم أنّ السير اذا كنت مخبرا عنه في هذا الباب فانما تخبر بسير متّصل بعضه ببعض في أيّ الاحوال كان ، وأما قولك إنما أنت سير فانما جعلته خبرا لأنت ولم تضمر فعلا وسنبيّن لك وجهه إن شاء الله ، ومن ذلك قولك ما أنت إلا شرب الابل وما أنت إلا ضرب الناس وما أنت إلا ضربا الناس ، وأمّا شرب الابل فلا ينوّن لأنه لم يشبّهه بشرب الابل ولأنّ الشرب ليس بفعل يقع منك على الابل ، ونظير ما انتصب قول الله عزوجل (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)، فانما انتصب على فامّا تمنّون منّا وإمّا تفادون فداءا ، ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك.
ومثله قول الشاعر (وهو جرير) : [وافر]
(١) ألم تعلم مسرّحى القوافي |
|
فلا عيّا بهنّ ولا إجتلابا |
كأنّه نفى قوله فعيّا بهنّ واجتلابا ، أي فأنا أعيا بهنّ عيّا وأجتلبهن اجتلابا ولكنه نفى هذا حين قال فلا ، ومثله قولك ألم تعلم مسيري يا فلان فاتعابا وطردا ، فانما ذكر مسرّحه وذكر مسيره وهما عملان فجعل المسير إتعابا وجعل المسرّح لاعيّ فيه وجعله فعلا متّصلا اذا سار واذا سرّح ، وإن شئت رفعت هذا كلّه فجعلت الآخر هو الأول ، فجاز على سعة الكلام من ذلك قول الخنساء : [بسيط]
(٢) ترتع ما رتعت حتى اذا ادّكرت |
|
فانما هي إقبال وإدبار |
__________________
(٢٧١) أي فلا أعيا بهن ولا أجتلبهن اجتلابا وقد تقدم البيت بتفسيره في ص ١٤٣ رقم ٢٠٠* وصف ناقة أو بقرة فقدت ولدها فكلما غفلت عنه رتعت فاذا ادكرته حنت اليه فأقبلت وأدبرت فضربتها مثلا لفقدها أخاها صخرا.
(٢٧٢) الشاهد فيع رفع اقبال وادبار على السعة والمعنى ذات اقبال وادبار فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه ولو نصب على معنى فانما هي تقبل اقبالا وتدبر ادبارا ووضع المصدر موضع الفعل لكان أجود.