فجعلها الاقبال والادبار فجاز على سعة الكلام كقولك نهارك صائم وليلك قائم ، ومثل ذلك قول الشاعر (وهو متمّم بن نويرة) : [طويل]
(١) لعمرى وما دهرى بتأبين هالك |
|
ولا جزع مما أصاب فأوجعا |
جعل دهره الجزع والنصب جائز على قوله فلا عيّابهن ولا اجتلابا ، وانما أراد وما دهرى بدهر جزع ولكنه جاز على السعة ، واستخفوا واختصروا كما فعل ذلك فيما مضى ، وأمّا ما ينتصب في الاستفهام في هذا الباب فقولك أقياما يا فلان والناس قعود وأجلوسا والناس يفرّون ، لا يريد أن يخبر أنه يجلس ولا أنه قد جلس وانقضى جلوسه ، ولكنه يخبر أنه في تلك الحال في جلوس وفي قيام ، وقال العجاج [رجز]
(٢) * أطربا وأنت قنّسرىّ*
فانما أراد أتطرب أي أنت في حال طرب ولم يرد أن يخبر عما مضى ولا عما يستقبل ، ومن ذلك قوك بعض العرب أغدّة كغدة البعير وموتا في بيت سلوليّة كأنه انما أراد أأغدّ غدّة كغدّة البعير وأموت موتا في بيت سلوليّة وهو بمنزلة أطربا وتفسيره كتفسيره ، وقال جرير : [وافر]
__________________
(٢٧٣) الشاهد فيه قوله بتأبين هالك ولا جزع والمعنى بدهر تابين ولا جزع فحذف اختصارا او اتساعا ، ويجوز أن يكون تقديره وما دهرى بذي تابين فيجعل الفعل للدهر اتساعا ثم يحذف المضاف الى التأبين اختصارا ومجازا ، كما تقدم في البيت الذي قبله* يرثى أخاه مالك بن نويرة وهو الذي يقال فيه فتى ولا كمالك فيقول لا أرثي بعده هالكا أو لا أبكي عليه ولا أجزع من شيء يصيبني بعده والتأبين مدح الرجل ميتا ، والتقريظ مدحه حيا.
(٢٧٤) الشاهد فيه نصب طرب على المصدر الموضوع موضع الفعل ، والتقدير أتطرب طربا ، والمعنى أتطرب وأنت شيخ والطرب خفة الشوق هنا والطرب أيضا خفة السرور والقنسرى الشيخ وهو غير معروف في اللغة ولم يسمع الا في هذا البيت وحده.