وانما صار توكيدا لنفسه لأنه حين قال عليّ فقد أقرّ واعترف وحين قال لأميل علم أنّه بعد حلف ولكنه قال عرفا وقسما توكيدا كما أنه اذا قال سير عليه فقد علم أنه كان سير ، ثم قال سيرا توكيدا.
واعلم أنه قد تدخل الألف واللام في التوكيد في هذه المصادر المتمكّنة التي تكون بدلا من اللفظ بالفعل كدخولها في الأمر والنهي والخبر والاستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك ، وكذلك الاضافة بمنزلة الالف واللام فأمّا المضاف فقول الله عزوجل (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ) وقال (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) وقال (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) وقال تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ومن ذلك الله أكبر دعوة الحقّ ، لأنه لمّا قال مرّ السّحاب وقال أحسن كلّ شيء علم أنه خلق وصنع ولكنه وكّد وثبّت للعباد ، ولمّا قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) حتّى انقضى الكلام علم المخاطبون أنّ هذا مكتوب عليهم مثبّت فقال الله كتاب الله توكيدا كما قال صنع الله ، وكذلك وعد الله لأنّ الكلام الذي قبله وعد وصنع فكأنّه قال وعدا وصنعا وخلقا وكتابا ، وكذلك دعوة الحقّ لأنه قد علم أن قولك الله أكبر دعاء الحقّ ولكنّه توكيد كأنه قال دعاء حقّا ، قال رؤبة : [رجز]
(١) إنّ نزارا أصبحت نزارا |
|
دعوة أبرار دعوا أبرارا |
__________________
(٣٠٦) الشاهد فيه نصب الدعوة على المصدر المؤكد به ما قبله لأنه لما قال ان نزارا أصبحت نزارا علم انهم على دعوة برة لاصطلاحهم وتألفهم* والمعنى ان ربيعة ومضر ابنى نزار كانت بينهما حرب بالبصرة وتقاطع ، وكان المضرى ينتمي في الحرب الى مضر ويجعلها شعاره والربعي ينتمي الى ربيعة فلما اصطلحوا انتموا كلهم إلى أبيهم نزار وجعلوه شعارهم فجعل دعوتهم برة لذلك.