لأنّ قولك أصبحت نزارا بمنزلة هم على دعوة بارّة ، وقد زعم بعضهم أنّ كتاب الله نصب على قوله عليكم كتاب الله ، وقال قوم صبغة الله منصوبة على الأمر ، وقال بعضهم لا بل توكيدا والصبغة الدين وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن تضمر شيئا هو المظهر كأنّك قلت ذاك وعد الله وصبغة الله أو هو دعوة الحقّ ، على هذا ونحوه رفعه ، ومن ذلك قوله عزوجل (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) بلاغ كأنه قال ذاك بلاغ ، واعلم أنّ هذا الباب انتصب كمنصوب بما قبله من المصادر في أنّه ليس بصفة ولا من اسم قبله وانما ذكرته لتؤكّد به ولم تحمله على مضمر يكون ما بعده رفعا فهو مفعول به ، ومثل نصب هذا الباب قول الشاعر (وهو الراعي) [طويل]
(١) دأبت الى أن ينبت الظّلّ بعد ما |
|
تقاصر حتّى كاد في الآل يمصح |
وجيف المطايا ثمّ قلت لصحبتي |
|
ولم ينزلوا أبردتم فتروّحوا |
لأنه قد عرف أن قوله دأبت سرت لمّا ذكر في صدر قصيدته فصار دأبت بمنزلة أو جفت عنده فجعل وجيف المطايا توكيدا لأوجفت الذي في ضميره ، واعلم أن نصب هذا الباب المؤكّد به العامّ منه وما وكّد به نفسه ينتصب على إضمار فعل غير كلامك الأوّل لأنه ليس في معنى كيف ولا لم كأنه قال أحقّ حقا فجعله بدلا كظنّا من أظنّ ولا أقول قولك وأقول غير ما تقول وأتجدّ جدّك وكتب الله كتابه وادعوا دعاء حقا وصنع الله صنعه ، ولكن لا يظهر الفعل لأنه صار بدلا منه بمنزلة سقيا ، وكذلك توجّه سائر الحروف من ذا الباب كما فعلت ذلك في باب سقيا له وحمدا لله.
__________________
(٣٠٧) الشاهد فيه نصب وجيف المطايا على المصدر المؤكد لمعنى قوله دأبت لانه بمعنى وصلت السير ، وأوجفت المطى أي سيرتها الوجيف وهو سير سريع* وصف أنه وصل السير الى الهاجرة ، ثم نزل مبردا بأصحابه ثم راح سائرا ومعنى قوله الى أن ينبت الظل الى أن يأخذ في الزيادة بعد زوال الشمس ، وينمو يقال نبت لفلان مال اذا نما وزاد والآل الشخص ، ومعنى يمصح يذهب يريد عند قائم الظهيرة اذا انتقل الشخص ظله ، والمطايا الرواحل لانها تمطي أي تستعمل ظهورها والمطي الظهر ، ومعنى أبردتم دخلتم في برد العشي فتروحوا أى سيروا رواحا.