وكأنه لمّا ناداها قال إنها أقوت يا فلان ، وإنما أردت بهذا أن تعلم أنّ أقوت ليس بصفة ، ومثل ذلك قول الأحوص :
(١) يا دار حسرها البلى تحسيرا |
|
وسفت عليها الريح بعدك مورا |
وأما قول الشاعر (وهو عمرو بن قنعاس) :
(٢) ألا يا بيت بالعلياء بيت |
|
ولو لا حبّ أهلك ما أتيت |
فانه لم يجعل بالعلياء وصفا ولكنه قال بالعلياء لي بيت وانما تركته لك أيّها البيت لحبّ أهله ، وأما قول الأحوص :
(٣) سلام الله يا مطر عليها |
|
وليس عليك يا مطر السّلام |
فانما لحقه التنوين كما لحق مالا ينصرف لأنه بمنزلة اسم لا ينصرف وليس مثل النكرة لأنّ التنوين لازم للنكرة على كل حال والنصب ، وهذا بمنزلة مرفوع لا ينصرف يلحقه التنوين اضطرارا لأنك أردت في حال التنوين في مطر ما أردت حين كان غير منوّن ، ولو نصبته في حال التنوين لنصبته في غير حال التنوين ولكنه اسم اطّرد الرفع في أمثاله في
__________________
(٤٥٩) الشاهد فيه رفع الدار وبعدها الفعل للعلة التي تقدمت في البيت الذي قبله ومعنى حسرها غيرها وأخفى آثارها والبلى القدم ومعنى سفت طيرت والمور ما تطيره الريح من التراب.
(٤٦٠) الشاهد فيه رفع البيت لأنه قصده بعينه ولم يصفه بالمجرور بعده فينصبه لانه أراد لي بالعلياء بيت غيرك ولكني أترك عليه لمحبتي في أهلك ، وبعده :
ألا يا بيت قومك أبعدوني |
|
كأني كل ذنب قد جنيت |
أى كأني جنيت كل ذنب أتاه اليهم آت.
(٤٦١) الشاهد فيه تنوين مطر وتركه على ضمه لجريه في النداء على الضم واطراد ذلك في كل علم مثله فأشبه المرفوع غير المنصرف في غير النداء فلما نون ضرورة ترك على لفظه كما ينون الاسم المرفوع الذي لا ينصرف فلا يغيره التنوين من رفعه ، وهذا مذهب الخليل وأصحابه واختيارهم ، وأبو عمرو ومن تابعه يختارون نصبه مع التنوين لمضارعته النكرة بالتنوين ولأن التنوين يعاقب الاضافة فيجرونه على أصله لذلك وكلا المذهبين مسموع من العرب ، والرفع أقيس لما تقدم من العلة.