حملوه على أن اللام لو لم تجيء لقلت يا بؤس الجهل ، وانما فعل هذا في المنفي تخفيفا كأنهم لم يذكروا اللام كما أنهم اذا قالوا يا طلحة أقبل فكأنهم لم يذكروا الهاء وصارت اللام من الاسم بمنزلة الهاء من طلحة لا تغير الاسم عن حاله قبل أن تلحق كما لا تغير الهاء الاسم عن حاله قبل أن تلحق فالنفي في موضع تخفيف كما أن النداء موضع تخفيف ، فمن ثم جاء فيه مثل ما جاء في النداء وإنما ذهبت النون في لا مسلمى لك على هذا المثال جعلوه بمنزلة ما لو حذفت بعده اللام كان مضافا الى اسم وكان في معناه اذا ثبتت بعده اللام ، وذلك قولك لا أباك فكأنهم لو لم يجيئوا باللام قالوا لا مسلميك فعلى هذا الوجه حذفوا النون في لا مسلمى لك وذا تمثيل وان لم يتكلم بلا مسلميك ، قال مسكين الدارمي : [طويل]
وقد مات شمّاخ ومات مزرّد |
|
وأي كريم لا أباك يمتّع |
ويروى مخلّد ، وتقول لا يدين بها لك ولا يدين اليوم لك ، إثبات النون أحسن وهو الوجه ، وذلك أنك اذا قلت لا يدى لك ولا أبالك فالاسم بمنزلة اسم ليس بينه وبين المضاف اليه شيء نحو لا مثل زيد فكما قبح أن تقول لا مثل بها زيد فتفصل قبح أن تقول لا يدي بها لك ، ولكن تقول لا يدين بها لك ولا أب يوم الجمعة لك كأنك قلت لا يدين بها ولا أب يوم الجمعة ثم جعلت لك خبرا فرارا من القبح ، وكذلك إن لم تجعل لك خبرا ولم تفصل بينهما وجئت بلك بعد أن تضمر في مكان أو زمان كاضمارك اذا قلت لا رجل ولا بأس ، وإن أظهرت فحسن ثم تقول لك لتبيّن المنفىّ عنه ، وربّما تركتها استغناء بعلم المخاطب وقد تذكرها توكيدا وان علم من تعنى ، فكما قبح أن تفصل بين المضاف والاسم المضاف اليه قبح أن تفصل بين لك وبين المنفىّ الذي قبله لأنّ المنفىّ الذي قبله اذا جعلته كأنه اسم لم تفصل بينه وبين المضاف اليه بشيء قبح فيه ما قبح في الاسم المضاف الى اسم لم تجعل بينه وبينه شيئا ، لأنّ اللام كأنها هيهنا لم تذكر ، ولو قلت هذا لقلت لا أخا هذين اليومين لك ، وهذا يجوز في الشعر لأنّ الشاعر اذا اضطّرّ فصل بين المضاف والمضاف اليه ، قال الشاعر (وهو ذو الرمّة) : [بسيط]
كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا |
|
أواخر الميس أصوات الفراريج (١) |
__________________
(١) قد تقدم شرحه في ص ١١٢ رقم ١٥٠