(١) فان تمس في قبر برهوة ثاويا |
|
أنيسك أصداء القبور تصيح |
فجعلهم أنيسه ، ومثل ذلك قوله مالي عتاب الّا السيف جعله عتابه كما أنك تقول ما أنت الّا سير اذا جعلته هو السير ، وعلى هذا أنشدت بنو تميم قول النابغة الذّبياني : [بسيط]
(٢) يا دار ميّة بالعلياء فالسّند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأبد |
وقفت فيها أصيلانا أسائلها |
|
عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد |
الّا أوارىّ لأيا ما ابيّنها |
|
والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد |
__________________
(٥٤٣) الشاهد في جعله الأصداء أنيس الموضع اتساعا ومجازا لأنها تقوم في استقرارها بالمكان وعمارتها له مقام الأناسي وقوي بهذا مذهب بني تميم في بدل مالا يعقل ممن يعقل اذ قالوا ما في الدار أحد الا حمار فجعلوه بمنزلة ما في الدار أحد الا فلان ، والنصب في مثل هذا أجود لا نقطاعه من جنس الأول وهو مذهب أهل الحجاز* رثي رجلا وجعل أنيسه بالموضع الذي حل فيه قبره الأصداء وهي جمع صدى وهو طائر يقال له الهامة تزعم الأعراب أنه يخرج من رأس القتيل اذا لم يدرك بثاره فيصيح اسقوني اسقوني حتي يثأر به وهذا مثل وانما يراد به تحريض ولي المقتول على طلب دمه فجعله جهلة الأعراب حقيقة ورهوة موضع بعينه والثاوي المقيم.
(٥٤٤) الشاهد في قوله الا الأوارى بالنصب على الاستثناء المنقطع لأنها من غير جنس الأحدين والرفع جائز على البدل من الموضع والتقدير وما بالربع أحدا لا الأوارى على أن تجعل من جنس الأحدين اتساعا ومجازا كما تقدم* وصف ان الدار خلت من أهلها فسألها توجعا منه وتذكرا لمن حل بها فلم تجبه اذ لا مجيب بها ولا أحد الا الأوارى وهي محابس الخيل واحدها آرى وهو من تأريت بالمكان اذا تحبست به واللأى البطء والمعنى أبينها بعد لأي لتغيرها والنؤي حاجز حول الخباء يدفع عنه الماء ويبعده ، وهو من نأيت اذا بعدت وشبهه في استدارته بالحوض ، والمظلومة أرض حفر فيها الحوض لغير اقامة لأنها في فلاة فظلمت بذلك لأن معنى الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وانما أراد أن حفر الحوض لم يعمق فذلك أشبه للنؤي به ولذلك جعلها جلدا وهي الصلبة.