بلغنا أنّ بعض القراء قرأ (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) وذلك لأنه حمل الفعل على موضع الكلام ، لأن هذا الكلام في موضع يكون جوابا لأن أصل الجزاء الفعل وفيه تعمل حروف الجزاء ، ولكنهم قد يضعون في موضع الجزاء غيره ، ومثل الجزم هيهنا النصب في قوله : * فلسنا بالجبال ولا الحديدا*
حمل الآخر على موضع الكلام وموضعه موضع نصب كما كان موضع ذاك موضع جزم وتقول ان تأتني فلن اؤذيك وأستقبلك بالجميل فالرفع هيهنا الوجه اذا لم يكن محمولا على لن كما كان الرفع الوجه في قوله فهو خير لك واكرمك ، ومثل ذلك ان أتيتني لم آتك وأحسن اليك فالرفع الوجه اذا لم تحمله على لم كما كان ذلك في لن ، واحسن ذلك ان تقول ان تأتني لا آتك كما أن أحسن الكلام أن تقول ان أتيتني لم آتك ، وذلك أن لم أفعل نفي فعل وهو مجزوم بلم ولا أفعل نفى أفعل وهو مجزوم بالجزاء فاذا قلت إن تفعل فاحسن الكلام أن يكون الجواب أفعهل لأنه نظيره من الفعل ، واذا قال ان فعلت فأحسن الكلام أن تقول فعلت لأنه مثله ، فكما ضعف فعلت مع أفعل وأفعل مع فعلت قبح لم أفعل مع يفعل لأن لم أفعل نفي فعلت وقبح لا أفعل مع فعل لأنها نفي أفعل.
واعلم أنّ النصب بالفاء والواو في قوله ان تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله :
* وألحق بالحجاز فأستريحا*
فهذا يجوز وليس بحدّ الكلام ولا وجهه الّا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أنه يفعل الا أن يكون من الأول فعل ، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا من ضعفه وان كان معناه كمعنى ما قبله اذا قال واعطيك وانما هو في المعنى كقوله أفعل ان شاء الله يوجب بالاستثناء ، قال الأعشي فيما جاز من النصب : [طويل]
(١) ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى |
|
مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا |
وتدفن منه الصالحات وان يسيء |
|
يكن ما أساء النار في رأس كبكبا |
__________________
(٦٧٧) الشاهد في نصب تدفن على اضمار أن لأن جواب الشرط قبله وان كان خبرا فانه لا يقع الا بوقوع الفعل الاول فضارع غير الواجب فجاز النصب في مثل ما عطف عليه لذلك* يقول من يغترب عن قومه جرى عليه الظلم فاحتمله لعدم ناصره واخفيت حسناته ـ