فإفادته متوقفة على ذكر أو على تقدير ما يدل على شيء آخر زائد على المفعول ومن علائقه ، فلذلك أوثر وصف (حَفِيظٌ) هنا بالإسناد إلى اسم الجلالة لأن الله جلّ عن أن يكلفه غيره حفظ شيء فهو فاعل الحفظ ، وأوثر وصف (وكيل) بالإسناد إلى ضمير النبيصلىاللهعليهوسلم لأن المقصود أن الله لم يكلفه بأكثر من التبليغ ، والمعنى : الله رقيب عليهم لا أنت وما أنت بموكل من الله على جبرهم على الإيمان. وفي معناه قوله في آخر هذه السورة (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨].
وأيضا هي كالبيان لما في جملة يكاد (السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) [الشورى : ٥] لأنّ من أسباب مقاربة تفطرهن كثرة ما فيهن من الملائكة. ولو لا أنّها أريد منها زيادة تقرير معنى جملة (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [الشورى : ٤] لكانت جديرة بأن تفصل ولكن رجح العطف لأجل الاهتمام بتقرير العلوّ والعظمة لله تعالى. وأما التبيين فيحصل بمجرد تعقيب جملة يكاد (السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) بها كما علمته آنفا.
فقوله : (الْمَلائِكَةُ) [الشورى : ٥] مبتدأ وجملة (يُسَبِّحُونَ) [الشورى : ٥] خبر والمقصود الإعلام بجلال الله.
وتسبيح الملائكة بحمد الله : خضوع لعظمته وعلوه ، والتسبيح : التنزيه عن النقائص.
فتسبيح الملائكة قد يكون عبارة عن إدراكهم عظمة الله تعالى فهو : انفعال روحاني كقوله تعالى : (اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) [الأعراف : ٢٠٥] ، وقد يكون دلالة على التنزيه بما يناسب الملائكة من ظواهر الانفعال بالطاعة أو من كلام مناسب للحالة الملكية وكذلك حمدهم ربّهم واستغفارهم لمن في الأرض.
ومفعول (يُسَبِّحُونَ) محذوف دلّ عليه مصاحبته (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [الشورى : ٥] تقديره : يسبحون ربّهم ، والباء للمصاحبة ، أي يسبحون تسبيحا مصاحبا لحمدهم ربّهم ، أي الثناء عليه بصفاته الكمالية ، ومن الثناء ما هو شكر على نعمه عليهم وعلى غيرهم ، فالمعنى : يسبحون الله ويحمدونه. وهذا تعريض بالمشركين إذ أعرضوا عن تسبيح ربّهم وحمده وشغلوا بتحميد الأصنام التي لا نعمة لها عليهم ولا تنفعهم ولا تضرهم.
وتقديم التسبيح على الحمد إشارة إلى أن تنزيه الله عمّا لا يليق به أهم من إثبات صفات الكمال له لأن التنزيه تمهيد لإدراك كمالاته تعالى. ولذلك كانت الصفات المعبّر عنها بصفات السّلوب مقدمة في ترتيب علم الكلام على صفات المعاني ـ عندنا ـ