[الشورى : ١٣].
والفاء في قوله : (فَادْعُ) يجوز أن تكون مؤكدة لفاء التفريع التي قبلها ، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الجزاء لما في تقديم المجرور من مشابهة معنى الشرط كما في قوله تعالى : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨].
والاستقامة : الاعتدال ، والسين والتاء فيها للمبالغة مثل : أجاب واستجاب. والمراد هنا الاعتدال المجازي وهو اعتدال الأمور النفسانية من التقوى ومكارم الأخلاق ، وإنّما أمر بالاستقامة ، أي الدوام عليها ، للإشارة إلى أن كمال الدعوة إلى الحق لا يحصل إلا إذا كان الداعي مستقيما في نفسه.
والكاف في (كَما أُمِرْتَ) لتشبيه معنى المماثلة ، أي دعوة واستقامة مثل الذي أمرت به ، أي على وفاقه ، أي وافية بما أمرت به. وهذه الكاف مما يسمى كاف التعليل كقوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨] ، وليس التعليل من معاني الكاف في التحقيق ولكنه حاصل معنى يعرض في استعمال الكاف إذا أريد تشبيه عاملها بمدخولها على معنى المطابقة والموافقة.
والاتّباع يطلق مجازا على المجاراة والموافقة ، وعلى المحاكاة والمماثلة في العمل ، والمراد هنا كلا الإطلاقين ليرجع النهي إلى النهي عن مخالفة الأمرين المأمور بهما في قوله (فَادْعُ وَاسْتَقِمْ).
وضمير (أَهْواءَهُمْ) للذين ذكروا من قبل من المشركين والذين أوتوا الكتاب ، والمقصود : نهي المسلمين عن ذلك من باب (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] ألا ترى إلى قوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) في سورة هود [١١٢].
ويجوز أن يكون معنى (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) لا تجارهم في معاملتهم ، أي لا يحملك طعنهم في دعوتك على عدم ذكر فضائل رسلهم وهدي كتبهم عدا ما بدّلوه منها فأعلن بأنك مؤمن بكتبهم ، ولذلك عطف على قوله : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) قوله : (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) الآية ، فموقع واو العطف فيه بمنزلة موقع فاء التفريع. ويكون المعنى كقوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) في سورة المائدة [٨].
والأهواء : جمع هوى وهو المحبة ، وغلب على محبة ما لا نفع فيه ، أي ادعهم إلى