الحق وإن كرهوه ، واستقم أنت ومن معك وإن عاداكم أهل الكتاب فهم يحبون أن تتبعوا ملتهم ، وهذا من معنى قوله : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة : ١٢٠].
وقوله : (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) بعد قوله : (فَادْعُ) أمر بمخالفة اليهود إذ قالوا : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠] يعنون التوراة ، (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠] يعنون الإنجيل والقرآن ، فأمر الرّسول صلىاللهعليهوسلم والمسلمون بالإيمان بالكتب الثلاثة الموحى بها من الله كما قال تعالى : (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) [آل عمران : ١١٩]. فالمعنى : وقل لمن يهمه هذا القول وهم اليهود. وإنما أمر بأن يقول ذلك إعلانا به وإبلاغا لأسماع اليهود ، فلا يقابل إنكارهم حقّيّة كتابه بإنكاره حقّيّة كتابهم وفي هذا إظهار لما تشتمل عليه دعوته من الإنصاف.
و (مِنْ كِتابٍ) بيان لما أنزل الله ، فالتنكير في (كِتابٍ) للنوعية ، أي بأي كتاب أنزله الله وليس يومئذ كتاب معروف غير التوراة والإنجيل والقرآن.
وضمير (بَيْنَكُمُ) خطاب للذين أمر بأن يوجه هذا القول إليهم وهم اليهود ، أي أمرت أن أقيم بينكم العدل بأن أدعوكم إلى الحق ولا أظلمكم لأجل عداوتكم ولكني أنفذ أمر الله فيكم ولا أنتمي إلى اليهود ولا إلى النصارى. ومعنى (بَيْنَكُمُ) أنني أقيم العدل بينكم فلا ترون بينكم جورا مني ، ف (بين) هنا ظرف متحد غير موزّع فهو بمعنى وسط الجمع وخلاله ، بخلاف (بين) في قول القائل : قضى بين الخصمين أو قسم المال بين العفاة. فليس المعنى : لأعدل بين فرقكم إذ لا يقتضيه السياق.
وفي هذه الآية مع كونها نازلة في مكة في زمن ضعف المسلمين إعجاز بالغيب يدل على أن الرّسول صلىاللهعليهوسلم سيكون له الحكم على يهود بلاد العرب مثل أهل خيبر وتيماء وقريظة والنضير وبني قينقاع ، وقد عدل فيهم وأقرهم على أمرهم حتى ظاهروا عليه الأحزاب كما تقدم في سورة الأحزاب.
واللام في قوله : (لِأَعْدِلَ) لام يكثر وقوعها بعد أفعال مادتي الأمر والإرادة ، نحو قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء : ٢٦] ، وتقدم الكلام عليها وبعضهم يجعلها زائدة.
وجملة (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) من المأمور بأن يقوله. فهي كلها جملة مستأنفة عن جملة