وأطلق كسب الأيدي على الأفعال والأقوال المنكرة على وجه المجاز بعلاقة الإطلاق ، أي بما صدر منكم من أقوال الشرك والأذى للنبي صلىاللهعليهوسلم وفعل المنكرات الناشئة عن دين الشرك.
والخطاب للمشركين ابتداء لأنهم المقصود من سياق الآيات كلها وهم أولى بهذه الموعظة لأنهم كانوا غير مؤمنين بوعيد الآخرة ويشمل المؤمنين بطريق القياس وبما دل على شمول هذا الحكم لهم من الأخبار الصحيحة ومن آيات أخرى.
والباء للسببية ، أي سبب ما أصابكم من مصيبة هو أعمالكم. وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) على أن (ما) موصولة وهي مبتدأ. و (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ظرف مستقر هو خبر المبتدأ. وكذلك كتبت في مصحف المدينة ومصحف الشام وقرأ الباقون (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) بفاء قبل الباء وكذلك كتبت في مصحف البصرة ومصحف الكوفة ، على أن (ما) متضمنة معنى الشرط فاقترن خبرها بالفاء لذلك ، أو هي شرطية والفاء رابطة لجواب الشرط ويكون وقوع فعل الشرط ماضيا للدلالة على التحقق.
و (مِنْ) بيانية على القراءتين لما في الموصول واسم الشرط من الإبهام.
والمصيبة : اسم للحادثة التي تصيب بضرّ ومكروه ، وقد لزمتها هاء التأنيث للدلالة على الحادثة فلذلك تنوسيت منها الوصفية وصارت اسما للحادثة المكروهة.
فقراءة الجمهور تعيّن معنى عموم التسبب لأفعالهم فيما يصيبهم من المصائب لأن (ما) في هذه القراءة إما شرطية والشرط دال على التسبب وإمّا موصولة مشبّهة بالشرطية ، فالموصولية تفيد الإيماء إلى علة الخبر ، وتشبيهها بالشرطية يفيد التسبب. وقراءة نافع وابن عامر لا تعيّن التسبب بل تجوزه لأن الموصول قد يراد به واحد معيّن بالوصف بالصلة ، فتحمل على العموم بالقرينة وبتأييد القراءة الأخرى لأن الأصل في اختلاف القراءات الصحيحة اتحاد المعاني. وكلتا القراءتين سواء في احتمال أن يكون المقصود بالخطاب فريقا معينا وأن يكون المقصود به جميع الناس ، وكذلك في أن يكون المراد مصائب معيّنة حصلت في الماضي ، وأن يراد جميع المصائب التي حصلت والتي تحصل.
ومعنى الآية على كلا التقديرين يفيد : أن مما يصيب الناس من مصائب الدنيا ما هو جزاء لهم على أعمالهم التي لا يرضاها الله تعالى كمثل المصيبة أو المصائب التي أصابت المشركين لأجل تكذيبهم وأذاهم للرسول صلىاللهعليهوسلم.