نفوس الغالبين حسبما اصطلح عليه الناس.
ومن ذلك أيضا إتلاف بعض الحواس بسبب ضرب على الرأس أو على العين فيصار إلى الدية إذ لا تضبط إصابة حاسّة الباغي بمثل ما أصاب به حاسّة المعتدى عليه. وكذلك إعطاء قيم المتلفات من المقوّمات إذ يتعسر أن يكلف الجاني بإعطاء مثل ما أتلفه.
ومن مشاكل المماثلة في العقوبة مسألة الجماعة يتمالئون على قتل أحد عمدا ، أو على قطع بعض أعضائه ؛ فإن اقتص من واحد منهم كان ذلك إفلاتا لبقية الجناة من عقوبة جرمهم ، وإن اقتص من كل واحد منهم كان ذلك زيادة في العقوبة لأنهم إنما جنوا على واحد.
فمن العلماء من لم يعتدّ بتلك الزيادة ونظر إلى أن كل واحد منهم جنى على المجني عليه فاستحق الجزاء بمثل ما ألحقه بالمجنيّ عليه ، وجعل التعدّد ملغى وراعى في ذلك سدّ ذريعة أن يتحيّل المجرم على التنصل من جرمه بضم جماعة إليه ، وهذا قول مالك والشافعي أخذا من قضاء عمر بن الخطاب ، وقوله : لو اجتمع على قتله أهل صنعاء لاقتصصت منهم.
ومنهم من عدل عن الزيادة مطلقا وهو قول داود الظاهري ، ومنهم من عدل عن تلك الزيادة في القطع ولم يعدل عنها في القتل ، ولعل ذلك لأن عمر بن الخطاب قضى به في القتل ولم يؤثر عن أحد في القطع. وربما ألغى بعضهم الزيادة إذا كان طريق ثبوت الجناية ضعيفا مثل القسامة مع اللوث عند من يرى القصاص بها فإن مالكا لم ير أن يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد.
واعلم أن المماثلة في نحو هذا تحقق بقيمة الغرم كما اعتبرت في الديات وأروش الجنايات.
وجملة (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) في موضع العلة لكلام محذوف دل عليه السياق فيقدر : أنه يحب العافين كما قال (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران : ١٣٤]. ونصره على ظالمه موكول إلى الله وهو لا يحب الظالمين ، أي فيؤجر الذين عفوا وينتصر لهم على الباغين لأنه لا يحب الظالمين فلا يهمل الظالم دون عقاب (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) [الإسراء: ٣٣]. وقد استفيد حبّ الله العافين من قوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ، وعلى