مشابهة الكلام المتعارف.
ولمّا لم يرد في الكتاب والسنة وصف الله بأنه متكلّم ولا إثبات صفة له تسمّى الكلام ، ولم تقتض ذلك حقيقة الإلهية ما كان ثمّة داع إلى إثبات ذلك عند أهل التأويل من الخلف من أشعرية وماتريدية إذ قالوا : إن الله متكلم وإن له صفة تسمّى الكلام وبخاصة المعتزلة إذ قالوا إنه متكلم ونفوا صفة الكلام وأمر المعتزلة أعجب إذ أثبتوا الصفات المعنوية لأجل القواطع من آيات القرآن وأنكروا صفات المعاني تورّعا وتخلّصا من مشابهة القول بتعدد القدماء بلا داع ، وقد كان لهم في عدم إثبات صفة المتكلم مندوحة لانتفاء الداعي إلى إثباتها ، خلافا لما دعا إلى إثبات غيرها من الصفات المعنوية ، وقد حكى فخر الدين في تفسير هذه السورة إجماع الأمة على أن الله تعالى متكلم. وقصارى ما ورد في القرآن إسناد فعل الكلام إلى الله أو إضافة مصدره إلى اسمه ، وذلك لا يوجب أن يشتق منه صفة لله تعالى ، فإنهم لم يقولوا لله صفة نافخ الأرواح لأجل قوله تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩] ، فالذي حدا مثبتي صفة الكلام لله هو قوة تعلق هذا الوصف بصفة العلم فخصّوا هذا التعلق باسم خاص وجعلوه صفة مستقلة مثل ما فعلوا في صفة السمع والبصر.
هذا ، واعلم أن مثبتي صفة الكلام قد اختلفوا في حقيقتها ، فذهب السلف إلى أنها صفة قديمة كسائر صفات الله. فإذا سئلوا عن الألفاظ التي هي الكلام : أقديمة هي أم حادثة؟ قالوا : قديمة ، وتعجب منهم فخر الدين الرازي ونبزهم ولا أحسبهم إلّا أنهم تحاشوا عن التصريح بأنها حادثة لئلا يؤدّي ذلك دهماء الأمة إلى اعتقاد حدوث صفات الله ، أو يؤدّي إلى إبطال أن القرآن كلام الله ، لأن تبيان حقيقة معنى الإضافة في قولهم : كلام الله ، دقيق جدا يحتاج مدركه إلى شحذ ذهنه بقواعد العلوم ، والعامة على بون من ذلك. واشتهر من أهل هذه الطريقة أحمد بن حنبل رحمهالله زمن فتنة خلق القرآن. وكان فقهاء المالكية في زمن العبيديين ملتزمين هذه الطريقة. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في «الرسالة» : «وإن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد». وقد نقشوا على أسطوانة من أساطين الجامع بمدينة سوسة هذه العبارة : «القرآن كلام الله وليس بمخلوق» وهي ماثلة إلى الآن.
قال فخر الدين : واتفق أني قلت يوما لبعض الحنابلة : لو تكلم الله بهذه الحروف ؛ إمّا أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب ، والأول باطل لأن التكلّم بها دفعة واحدة