لا يفيد هذا النظم المركب على التعاقب والتوالي ، والثاني باطل لأنه لو تكلم الله بها على التوالي كانت محدثة ، فلما سمع مني هذا الكلام قال : «الواجب علينا أن نقرّ ونمرّ» يعني نقرّ بأن القرآن قديم ونمرّ على هذا الكلام على وفق ما سمعناه قال : فتعجبت من سلامة قلب ذلك القائل.
ومن الغريب جدا ما يعزى إلى محمد بن كرّام وأصحابه الكرّامية من القول بأن كلام الله حروف وأصوات قائمة بذاته تعالى ، وقالوا : لا يلزم أن كل صفة لله قديمة ، ونسب مثل هذا إلى الحشوية ، وأما المعتزلة فأثبتوا لله أنه متكلم ومنعوا أن تكون له صفة تسمى الكلام ، والذي دعاهم إلى ذلك هو الجمع بين ما شاع في القرآن والسنة وعند السلف من إسناد الكلام إلى الله وإضافته إليه وقالوا : إن اشتقاق الوصف لا يستلزم قيام المصدر بالموصوف ، وتلك طريقتهم في صفات المعاني كلها ، وزادوا فقالوا : معنى كونه متكلما أنه خالق الكلام.
وأما الأشعري وأصحابه فلم يختلفوا في أن الكلام الذي نقول : إنه كلام الله المركب من حروف وأصوات ، المتلوّ بألسنتنا ، المكتوب في مصاحفنا ، إنه حادث وليس هو صفة الله تعالى وإنما صفة الله مدلول ذلك الكلام المركب من الحروف والأصوات من المعاني من أمر ونهي ووعد ووعيد. وتقريب ذلك عندي أن الكلام الحادث الذي خلقه الله دال على مراد الله تعالى وأن مراد الله صفة لله.
قال أبو بكر الباقلاني عن الشيخ : إن كلام الله الأزلي مقروء بألسنتنا ، محفوظ في قلوبنا ، مسموع بآذاننا ، مكتوب في مصاحفنا غير حالّ في شيء من ذلك ، كما أن الله معلوم بقلوبنا مذكور بألسنتنا معبود في محاريبنا وهو غير حال في شيء من ذلك. والقراءة والقارئ مخلوقان ، كما أن العلم والمعرفة مخلوقان ، والمعلوم والمعروف قديمان ا ه. يعني أن الألفاظ المقروءة والمكتوبة دوالّ وهي مخلوقة والمدلول وهو كون الله مريدا لمدلولات تلك التراكيب هو وصف الله تعالى ليصحّ أن الله أراد من النّاس العمل بالمدلولات التي دلّت عليها تلك التراكيب. وقد اصطلح الأشعري على تسمية ذلك المدلول كلاما نفسيّا وهو إرادة المعاني التي دلّ عليها الكلام اللفظي ، وقد استأنس لذلك بقول الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللّسان على الفؤاد دليلا |
وأما أبو منصور الماتريدي فنقل الفخر عنه كلاما مزيجا من كلام الأشعري وكلام