المعتزلة ، والبعض نقل عنه مثل قول السلف. وسبب اختلاف النقل عنه هو أن الماتريدي تابع في أصول الدّين أبا حنيفة. وقد اضطرب أتباعه في فهم عبارته الواقعة في العقيدة المنسوبة إليه المسماة : الفقه الأكبر ـ إن صحّ عزوها إليه ـ إذ كانت عبارة يلوح عليها التضارب ولعله مقصود. وتأويلها بما يوافق كلام الأشعري هو التحقيق.
وتحقيق هذا المقام بوجه واضح قريب أن نقول : إن ثبوت صفة الكلام لله هو مثل ثبوت صفة الإرادة وصفة القدرة له تعالى ، في الأزل وهو أشبه باتصافه بالإرادة فكما أن معنى ثبوت صفة الإرادة لله إنه تعالى متى تعلق علمه بإيجاد شيء لم يكن موجودا ، أو بإعدام شيء كان موجودا ، أنه لا يحول دون تنفيذ ما تعلق علمه بإيجاده أو إعدامه حائل ولا يمنعه منه مانع ، ومتى تعلق علمه بإبقاء المعدوم في حالة العدم أو الموجود في حالة الوجود ، لا يكرهه على ضد ذلك مكره. فكذلك ثبوت الكلام لله معناه أنه كلما تعلق علمه بأنه يأمر أو ينهى أحدا لم يحل حائل دون إيجاد ما يبلغ مراده إلى المأمورين أو المنهيين ، وكلما تعلق علمه بأن يترك توجيه أمر أو نهي إلى النّاس لم يكرهه مكره على أن يأمرهم أو ينهاهم.
وكما أن للإرادة تعلقا صلاحيا أزليّا وتعلّقا تنجيزيا حادثا حين تتوجه الإرادة إلى إيجاد بواسطة القدرة. كذلك نجد لكلام الله تعلّقا صلاحيا أزليا وتعلّقا تنجيزيّا حين اقتضاء علم الله توجيه أمره أو نهيه أو نحوهما إلى بعض عباده. فالكلام الذي ينطق به الرّسول وينسبه إلى الله تعالى هو حادث وهو أثر التعلق التنجيزي الحادث ، والكلام الذي نعتقد أن الله أراده وأراد من النّاس العمل به هو الصفة الأزلية القديمة ولها التعلق الصلاحي القديم. وفي «الرسالة الخاقانية» للعلامة عبد الحكيم السلكوتي نقل عن بعض العلماء بأن لكلام الله تعلقا تنجيزيا حادثا ، وهذا من التحقيق بمكان.
والتحقيق : أن ذلك الكلام الأزلي يتنوع إلى أنواع المدلولات من أمر ونهي وخبر ووعد ووعيد ونحو ذلك.
وخلاصة معنى الآية أن الله قد يخلق في نفس جبريل أو غيره من الملائكة علما بمراد الله على كيفية لا نعلمها ، وعلما بأن الله سخره إبلاغ مراده إلى النبي ، والملك يبلغ إلى النبي ما أمر بتبليغه امتثالا للأمر التسخيري ، بألفاظ معينة ألقاها الله في نفس الملك مثل ألفاظ القرآن ، أو بألفاظ من صنعة الملك كالتي حكى الله عن زكرياء بقوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) [آل عمران : ٣٩]. أو يخلق في سمع النبي كلاما يعلم علم اليقين أنه غير صادر إليه من متكلم ، فيوقن أنه من عند الله