غلامه ليستقي من البئر فأبطأ ، فلما أتاه قال : ما حسبك. قال : غلام عمر قعد على فم البئر فما ترك أحدا يسقي حتى ملأ قرب النبي صلىاللهعليهوسلم وقرب أبي بكر وملأ لمولاه ، فقال عبد الله بن أبيّ : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قال القائل : «سمّن كلبك يأكلك» فهمّ عمر بن الخطاب بقتله ، فنزلت. وروى ابن مهران عن ابن عباس لما نزل قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة : ٢٤٥] الآية قال فنحاص اليهودي : احتاج ربّ محمد ، فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه فنزلت الآية ، فبعث رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في طلبه فلما جاء قال : ضع سيفك. وهاتان روايتان ضعيفتان ومن أجلهما روي عن عطاء وقتادة وابن عباس أن هذه الآية مدنية.
وأقرب هذه الأخبار ما قاله مكي بن أبي طالب. ولو صحت ما كان فيه ما يفكك انتظام الآيات سواء صادف نزولها تلك الحادثة أو أمر الله بوضعها في هذا الموضع.
وجزم (يَغْفِرُوا) على تقدير لام الأمر محذوفا ، أي قل لهم ليغفروا ، أو هو مجزوم في جواب (قُلْ) ، والمقول محذوف دل عليه الجواب. والتقدير : قل للذين آمنوا اغفروا يغفروا. وهذا ثقة بالمؤمنين أنهم إذا قال لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم امتثلوا. والوجهان يتأتّيان في مثل هذا التركيب كلما وقع في الكلام ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) في سورة إبراهيم [٣١].
و (لِلَّذِينَ لا) يرجون (أَيَّامَ اللهِ) يراد بهم المشركون من أهل مكة.
والرجاء : ترقب وتطلب الأمر المحبوب ، وهذا أشهر إطلاقاته وهو الظاهر في هذه الآية.
والأيام : جمع يوم ، وهذا الجمع أو مفرده إذا أضيف إلى اسم أحد أو قوم أو قبيلة كان المراد به اليوم الذي حصل فيه لمن أضيف هو إليه نصر وغلب على معاند أو مقاتل ، ومنه أطلق على أيام القتال المشهورة بين قبائل العرب : أيام العرب ، أي التي كان فيها قتال بين قبائل منهم فانتصر بعضهم على بعض ، كما يقال أيام عبس ، وأيام داحس والغبراء ، وأيام البسوس ، قال عمرو بن كلثوم :
وأيام لنا غرّ طوال |
|
عصينا الملك فيها إن ندينا |
فإذا قالوا : أيام بني فلان ، أرادوا الأيام التي انتصر فيها من أضيفت الأيام إلى اسمه ، ويقولون : أيام بني فلان على بني فلان فيريدون أن المجرور بحرف الاستعلاء