ـ ٩] وقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤] ، فالجملة معطوفة على تلك الجمل.
وأدمج في خلالها ما اختلف فيه بنو إسرائيل على ما دعتهم إليه شريعتهم ، لما فيه من تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم على مخالفة قومه دعوته تنظيرا في أصل الاختلاف دون أسبابه وعوارضه.
ولما كان في الكلام ما القصد منه التسلية والاعتبار بأحوال الأمم حسن تأكيد الخبر بلام القسم وحرف التحقيق ، فمصب هذا التحقيق هو التفريع الذي في قوله : (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) [يونس : ٩٣] تأكيدا للمؤمنين بأن الله يقضي بينهم وبين المشركين كشأنه فيما حدث بين بني إسرائيل.
وقد بسط في ذكر النظير في بني إسرائيل من وصف حالهم حينما حدث الاختلاف بينهم ، ومن التصريح بالداعي للاختلاف بينهم ما طوي من مثل بعضه من حال المشركين حين جاءهم الإسلام فاختلفوا مع أهله إيجازا في الكلام للاعتماد على ما يفهمه السامعون بطريق المقايسة على أن أكثره قد وقع تفصيله في الآيات السابقة مثل قوله : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٦] وقوله (هذا هُدىً) [الجاثية : ١١] فإن ذلك يقابل قوله هنا (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) والنبوءة ومثل قوله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الجاثية : ١٣] فإنه يقابل قوله هنا (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ، ومثل قوله : (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً) إلى قوله (لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [الجاثية : ٨ ، ٩] فإنه يقابل قوله هنا (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، ومثل قوله : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤] فإنه مقابل قوله هنا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
و (الْكِتابَ) : التوراة.
و (الْحُكْمَ) يصح أن يكون بمعنى الحكمة ، أي الفهم في الدّين وعلم محاسن الأخلاق كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم : ١٢] ، يعني يحيى ، ويصح أن يكون بمعنى السيادة ، أي أنهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم ولا تحكمهم أمة أخرى كقوله تعالى و (جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) [المائدة : ٢٠] ، والنبوءة أن يقوم فيهم أنبياء. ومعنى إيتائهم هذه الأمور الثلاثة : إيجادها في الأمة وإيجاد القائمين بها لأن نفع ذلك عائد على الأمة جمعاء فكان كل فرد من الأمة كمن أوتي تلك الأمور.