ولعله إليه يرجع ما في مجمع البيان ، قال في تفسير سورة الفاتحة : «والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه ، لأنها الخضوع بأعلى مراتب الخضوع مع التعظيم بأعلى مراتب التعظيم.
ولا يستحق إلّا باصول النعم التي هي خلق الحياة والقدرة والشهوة ، ولا يقدر عليه غير الله تعالى ، فلذلك اختص سبحانه بأن يعبد ، ولا يستحق بعضنا على بعض العبادة ، كما يستحق بعضنا على بعض الشكر ، وتحسن الطاعة لغير الله تعالى ولا تحسن العبادة لغيره.
وقول من قال : إن العبادة هي الطاعة للمعبود ، يفسد بأن الطاعة موافقة الأمر ، وقد يكون موافقا لأمره ولا يكون عابدا له ، ألا ترى أن الابن يوافق أمر الأب ولا يكون عابدا له ، وكذلك العبد يطيع مولاه ولا يكون عابدا له بطاعته إياه ، والكفار يعبدون الأصنام ، ولا يكونون مطيعين لهم ، إذ لا يتصور من جهتهم الأمر».
ولذلك مظهران : الأول : ذاتي ، وهو إطاعة أمر المعبود ونهيه بنحو يبتني على الفناء فيه ومنتهى الخضوع له لاستحقاقه ذلك عليه لذاته متفرعا على ملكيته بالذات لنفس المطيع ، دون ما لو كان استحقاقه للإطاعة لأمر خارج عن ذاته ، كشكر إحسان سابق أو بجعله ممن يجب إطاعته ، كإطاعة النبي والإمام والمولى والمستأجر بأمر الله تعالى ، أو لاستحقاق ذاتي لا يتفرع على استحقاق نفس المطيع ، كاستحقاق الأب الإطاعة على الولد ، فضلا عما لو لم يبتن على الاستحقاق ، كإطاعة شخص لآخر برجاء إحسانه أو لدفع شره ، أو تفضلا منه عليه.
الثاني : عرفي ، وذلك بالإتيان بامور تبانى العرف والعقلاء على كونها