أحدهما : أنّها في محلّ نصب على الحال ، وساغ ذلك من النكرة ؛ لتخصّصها بالوصف.
والثاني : أن تكون في محلّ رفع ؛ نعتا ثانيا ل «طعام».
والتقدير : لا يأتيكما طعام مرزوق إلا حال كونه منبّأ بتأويله ، أو منبّأ بتأويله ، و «قبل» الظاهر أنّها ظرف ل «نبّأتكما» ، ويجوز أن يتعلق بتأويله ، أي : نبأتكما بتأويله الواقع قبل إتيانه.
فصل
قيل : إنّ جماعة من أهل مصر ، أرادوا المكر بالملك ، فضمنوا لهذين الرجلين مالا ، ليسمّا الملك في طعامه ، وشرابه ، فأجاباهم ، ثمّ إن الساقي نكل عنه ، وقبل الخباز الرشوة فسمّ الطّعام ، فلما أحضروا الطعام ، قال السّاقي : لا تأكل أيّها الملك ؛ فإنّ الطعام مسموم ، وقال الخبّاز : لا تشرب أيها الملك ؛ فإنّ الشراب مسموم ، فقال الملك للساقي : اشرب ، فشربه فلم يضرّه ، وقال للخبّاز : كل من طعامك ، فأبى ، فجرّب ذلك الطعام على دابّة ، فأكلته : فهلكت ؛ فأمر الملك بحبسهما.
وكان يوسف حين دخل السّجن ، جعل ينشر علمه ، ويقول : إنّي أعبّر الأحلام ، فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلمّ فلنجرب هذا العبد العبرانيّ ، فتراءيا له ، فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا.
قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «ما رأيا شيئا وإنّما تحالما ليجرّبا يوسف» (١) ـ عليهالسلام ـ.
وقيل : بل رأيا حقيقة ، فرآهما يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهما مهمومان ، فسألهما عن شأنهما ، فذكرا أنّهما صاحبا الملك ـ حبسهما ـ وقد رأيا رؤية همّتهما ، فقال يوسف ـ صلوات الله ، وسلامه عليه وعلى الأنبياء والمرسلين ـ : قصّا عليّ ما رأيتما! فقصّا عليه ، فعبّر لهما ما رأياه ، وعرف حرفة كلّ واحد من منامه.
وتأويل الشّيء ، ما يرجع إليه ، وهو الذي يئول إليه آخر ذلك الأمر.
ثم قالا : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) : في أمر الدين ، أي : نراك تؤثر الإحسان ، وتأتي مكارم الأخلاق.
وقيل : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في علم التعبير ؛ وذلك أنّه حين عبّر لم يخطىء.
[وقيل : إنه كان يعود مرضاهم ويوقّر كبيرهم ، فقالوا إنّا لنراك من المحسنين في حقّ الأصحاب](٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢١٢).
(٢) سقط من : ب.