وهذا النّظم حسن ، إلا أنّه إنما يستقيم على قول المعتزلة ، وفي النظم وجه آخر : وهو أنه ـ تعالى ـ إنّما ذكر هذه القصّة تسلية لنبيّه صلىاللهعليهوسلم وأن يصبره على سفاهة قومه ، فإنه إذا سمع [أنّ](١) الأمم السّالفة كانوا يعاملون بمثل هذه المعاملات ؛ سهل تحمّل تلك السّفاهات على محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثم إنّه ـ تعالى ـ لما بيّن أنه أنزل العذاب على الأمم السّالفة ، قال لمحمدصلىاللهعليهوسلم : «إنّ السّاعة لآتية» ، وإنّ الله لينتقم لك من أعدائك ، ويجازيهم ، وإيّاك ، فإنه ما خلق السماوات ، والأرض ، وما بينهما إلا بالحق ، والعدل والإنصاف ، فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك؟.
ثم إنّه ـ تعالى ـ لما صبّره على أذى قومه ، رغّبه بعد ذلك في الصّفح عنهم ، فقال : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ).
قوله : «إلّا بالحقّ» نعت لمصدر محذوف ، أي : ملتبسة بالحقّ.
قال المفسّرون : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وهو بعيد ؛ لأنّ المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن ، والعفو ، والصفح ، فكيف يصير منسوخا؟.
ثم قال : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) ، أي خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم ، وتفاوت أحوالهم ، مع علمه بكونهم كذلك وإذا كان كذلك ، فإنّما خلقهم مع هذا التّفاوت ، ومع العلم بذلك التّفاوت ، أمّا على قول أهل السنة فلمحض مشيئته ، وإرادته ، وعلى قول المعتزلة : لأجل المصلحة ، والحكمة.
وقرأ زيد بن علي ، والجحدري : «إنّ ربّك هو الخالق» ، وكذا هي في مصحف أبيّ وعثمان.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(٩٩)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) يحتمل أن يكون سبعا من الآيات ، وأن يكون سبعا من السّور ، وأن يكون سبعا من الفوائد ، وليس في اللفظ ما يدلّ على التّعيين.
__________________
(١) في ب : من.