المطلوب عنه ، وهذا يدلّ على أنّ ترك التّصرف ، والتفويض إلى الله ـ تعالى ـ أولى.
فإن قيل : لم طلب يوسف الإمارة ، والنبي صلىاللهعليهوسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة : «يا عبد الرّحمن: لا تسأل الإمارة»؟.
وأيضا : فكيف طلب الإمارة من سلطان كافر؟ وأيضا : لم لم يصبر مدّة فأظهر الرغبة في طلب الإمارة؟ وأيضا : لم طلب أمر الخزائن في أوّل الأمر ، مع أنّ هذا يورث نوع تهمة؟ وأيضا : كيف مدح نفسه بقوله : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) مع أنه ـ تعالى ـ قال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [النجم : ٣٢] ، وأيضا : ما الفائدة في قوله : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)؟ ولم لم يقل : إن شاء الله ـ تعالى ـ ؛ لقوله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ـ ٢٤]؟.
فالجواب : أن الأصل في جواب هذه المسألة : أنّ التّصرف في أمور الخلق كان واجبا عليه فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان إنما قلنا إن ذلك التصرف كان واجبا عليه (١) لوجوه :
الأول : أنه كان رسولا حقّا من الله ـ تعالى ـ إلى الخلق ، والرسول تجب عليه مصالح الأمة بقدر الإمكان.
والثاني : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ علم بالوحي أنّه سيحصل القحط والضيق (٢) الشديد ، الذي ربّما أفضى إلى هلاك الخلق ، فلعلّه ـ تعالى ـ أمره بأن يدبّر في ذلك الوقت ، ويأتي بطريق في آجله يقلّ ضرر ذلك القحط في حق الخلق.
الثالث : أنّ السّعي في إيصال النفع إلى المستضعفين ، ودفع الضرر عنهم ـ أمر مستحسن في العقول.
وإذا ثبت هذا ، فنقول : إنه صلىاللهعليهوسلم كان مكلّفا برعاية المصالح من هذه الوجوه ، وما كان يمكنه رعايتها إلّا بهذا الطريق ، وما لا يتمّ الواجب إلا به ، فهو واجب ، فكان هذا الطريق واجبا ، ولمّا كان واجبا ، سقطت الأسئلة بالكلية.
وأما ترك الاستثناء ، فقال الواحديّ : «كان ذلك من خطيئة أوجبت عقوبة وهو أنه ـ تعالى ـ أخّر عنه حصول ذلك المقصود سنة».
قال ابن الخطيب (٣) : «لعلّ السبب فيه أنه لو ذكر هذا الاستثناء ، لاعتقد الملك فيه أنه ذكره لعلمه بأنه لا قدرة له على ضبط هذه المصلحة كما ينبغي ؛ فلأجل هذا المعنى ترك الاستثناء».
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) في ب : والفسق.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٩.