وقرأت عائشة (١) ، وأبو عبد الرحمن ـ رضي الله عنهما ـ «ونمير» من أماره إذا جعل له الميرة ، يقال : ماره يميره ، وأماره يميره ، والميرة : جلب الخير ؛ قال : [الوافر]
٣١١٨ ـ بعثتك مائرا فمكثت حولا |
|
متى يأتي غياثك من تغيث (٢) |
والبعير لغة يقع على الذكر خاصة ، وأطلقه بعضهم على الناقة أيضا (٣) وجعله نظير «إنسان» ويجوز كسر بائه إتباعا لعينه ، ويجمع في القلّة على أبعرة ، وفي الكثرة على بعران.
والمعنى : ونزداد كيل بعير بسبب حضور أخينا ؛ لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير.
ثم قال : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) قال مقاتل ـ رحمهالله ـ : ذلك كيل يسير على هذا الرجل المحسن ، وحرصه على البذل (٤) ، وهو اختيار الزجاج.
وقيل : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) ، أي قصير المدة ليس سبيل مثله أن تطول مدته بسبب الحبس والتّأخير. وقيل : ذلك الذي يدفع إلينا بدون أخينا شيئا يسيرا قليلا ، لا يكفينا وأهلنا ؛ فابعث أخانا معنا ؛ لكي يكثر ما نأخذه.
وقال مجاهد : البعير ههنا الحمار (٥) ، (كَيْلَ بَعِيرٍ) أي : حمل حمار ، وهي لغة ، يقال للحمير بعير ، وهم كانوا أصحاب حمر ، والأول أصحّ ؛ بأنه البعير المعروف.
قوله تعالى : (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) الآية.
الموثق : مصدر بمعنى الثقة ، ومعناه : العهد الذي يوثق به ، فهو مصدر بمعنى المفعول ، يقول : لن أرسله معكم حتى تعطوني عهدا يوثق به.
وقوله (مِنَ اللهِ) أي : عهدا موثوقا به ؛ بسبب تأكد الشهادة من الله ، أو بسبب القسم بالله عليه.
والموثق : العهد المؤكّد بالقسم ، وقيل : المؤكّد بإشهاد الله على نفسه.
قوله (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) هذا جواب للقسم المضمر في قوله «موثقا» ؛ لأنّ معناه حتى تحلفوا لي لتأتنني به.
قوله (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) في هذا الاستثناء أوجه :
أحدها : أنه منقطع ، قاله أبو البقاء. يعني فيكون تقدير الكلام : لكن إذا أحيط بكم
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٦٠ والبحر المحيط ٥ / ٣٢١ والدر المصون ٤ / ١٩٥.
(٢) البيت لعائشة بنت سعد كما في اللسان (غوث) وقبل للعامري ينظر : الصحاح ١ / ٢٨٩ والتهذيب والطبري ١٦ / ١٦٢ والقرطبي ٩ / ٢٢٤ والبحر المحيط ٥ / ٣١٣ والدر المصون ٤ / ١٩٥.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٣٦).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٤٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٨) وزاد نسبته إلى أبي عبيد وابن المنذر.