وقد جوّز أبو البقاء (١) ما توهم أنّه جواب عن ذلك فقال :
والوجه الثالث : أن يكون «جزاؤه» مبتدأ ، و «من وجد» مبتدأ ثان ، و «هو» مبتدأ ثالث ، و «جزاؤه» خبر الثالث ، والعائد على المبتدأ الأول الهاء الأخيرة وعلى الثاني «هو» انتهى.
وهذا الذي ذكره أبو البقاء لا يصح ؛ إذ يصير التقدير : فالذي وجد في رحله جزاؤه الجزاء ؛ لأنّه جعل «هو» عبارة عن المبتدأ الثاني ، وهو : (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) وجعل الهاء الأخيرة ، وهي التي في : «جزاؤه» الأخير عائدة على : «جزاؤه» الأوّل ، فصار التقدير كما ذكرنا.
الوجه الثاني من الأوجه المتقدمة : أن يكون : «جزاؤه» مبتدأ ، والهاء تعود على المسروق ، و (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) خبره ، و «من» بمعنى الذي ، والتقدير : جزاء الصّواع الذي وجد في رحله.
ولذلك كانت شريعتهم يسترق السّارق ؛ فلذلك استفتوا في جزائه ، وقوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) تقدير للحكم ، أي فأخذ السّارق نفسه هو جزاؤه لا غير ، كقولك : حقّ زيد أن يكسى ، ويطعم ، وينعم عليه ، فذلك حقّه ، أي : فهو حقه لتقرّر ما ذكرته من استحقاقه ويلزمه ما قاله الزمخشريّ (٢).
ولما ذكر أبو البقاء هذا الوجه قال : والتقدير : استعباد من وجد في رحله وقوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) مبتدأ ، وخبر مؤكد لمعنى الأولد ، ولما ذكر أبو حيّان هذا الوجه ناقلا له عن الزمخشريّ ، قال : «وقال معناه ابن عطيّة إلّا أنّه جعل القول الواحد قولين ، قال : ويصحّ أن يكون «من» خبرا على أن المعنى : جزاء السّارق من وجد في رحله ، ويكون قوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) زيادة بيان وتأكيد ، ثم قال : ويحتمل أن يكون التقدير : جزاؤه استرقاق من وجد في رحله ، ثم يؤكد بقوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) ، وهذا القول هو الذي قبله غير أنّه أبرز المضاف المحذوف في قوله : استرقاق من وجد في رحله ، وفيما قبله لا بدّ من تقديره ؛ لأنّ الذّات لا تكون خبرا عن المصدر ، فالتّقدير في القول قبله : جزاؤه أخذ من وجد في رحله أو استرقاقه ، هذا لا بدّ منه على هذا الإعراب.
وهذا ظاهره ، أنه جعل المقول الواحد قولين.
الوجه الثالث من الأوجه المتقدمة : أن يكون : «جزاؤه» خبر مبتدأ محذوف أي : المسئول عنه جزاؤه ، ثمّ أفتوا بقولهم : (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) كما تقول : من يستفتي في جزاء صيد المحرم جزاء صيد المحرم ، ثمّ يقول : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) [المائدة : ٩٥] قاله الزمخشري.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٦.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩١.