قال المهدوي : ومن جعل المعقّبات : الحرس ، فالمعنى : يحفظونه من أمر الله على ظنه ، وزعمه.
وقيل : سواء من أسر القول ، ومن جهر ، فله حراس ، وأعوان يتعاقبون عليه ، فيحملونه على المعاصي ، و «يحفظونه» من أن ينجع فيه وعظ.
قال القشيريّ : وهذا لا يمنع الرب من الإمهال إلى أن يحق العذاب ، وهو إذا غير هذا العاصي ما بنفسه بطول الإصرار ، فيصير ذلك سببا للعقوبة ، فكأنه الذي يحل العقوبة».
وقال عبد الرحمن بن زيد : «المعقّبات : ما تعاقب من أمر الله ـ تعالى ـ وقضائه في عباده» (١).
قال الماورديّ : «ومن قال بهذا القول ، ففي تأويل قوله : «يحفظونه من أمر الله» وجهان :
أحدهما : يحفظونه من الموت ما لم يأت أجله ، قاله الضحاك (٢).
الثاني : يحفظونه من الجنّ ، والهوام المؤذية ، ما لم يأت قدر ، قاله أبو أمامة ، وكعب الأحبار ـ رضي الله عنهما ـ فإذا جاء القدر خلوا عنه» (٣).
قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) : من العافية والنعمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من [الحالة الجميلة](٤) فيعصون ربّهم.
قال الجبائي ، والقاضي : هذه الآية تدلّ على مسألتين :
الأولى : أنّه سبحانه لا يعاقب أطفال المشركين بذنوب آبائهم ؛ لأنّهم لم يغيّروا ما بأنفسهم من نعمه ، فيغير الله حالهم من النّعمة إلى العذاب.
الثانية : قالوا : الآية تدلّ على بطلان قول المجبرة : إنّه تعالى ابتدأ العبد بالضّلال ، والخذلان أوّل ما يبلغ ؛ لأنّ ذلك أبلغ في العقاب ، مع أنّه ما كان منه تغيير.
قال ابن الخطيب (٥) : «والجواب أن ظاهر الآية يدل على أن فعل الله تعالى في التغيير يترتب على فعل العبد ، وقوله (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [التكوير : ٢٩] يدلّ على أن فعله مقدم على فعل العبد ، فوقع التّعارض.
وقوله تعالى : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) يدلّ على أنّ العبد غير مستقل
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٩ / ١٩٣).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٥٥) عن أبي أمامة وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٦) عن كعب الأحبار.
(٤) في ب : الحيلة.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ١٩.